ليست إسرائيل مع بشّار الأسد ونظامه، ولا هي مع معارضيهما الكثيرين. فهي تريدهم جميعاً بعيدين عن حدودها
ليست إسرائيل مع بشّار الأسد ونظامه، ولا هي مع معارضيهما الكثيرين. فهي تريدهم جميعاً بعيدين عن حدودها، وتريدهم داخل حدودهم قوى متنازعةً لا ينتهي بها الأمر إلى بلد واحد ودولة واحدة. هكذا تمتنع الحرب التي تفتقر إلى جيش سوريّ، فضلاً عن افتقارها إلى جيش عراقيّ وجيوش عربيّة أخرى. وما دام السلام السوريّ معها ممتنعاً أيضاً، وغائباً عن أجندة أيّ من أطراف الحرب السوريّة، كان البديل الجاهز هو البديل الأوحد: إبعاد العرب عنها وتحصين ابتعادها عنهم. يتمّ هذا من خلال الإمساك الإسرائيليّ الصارم بالحدود ومنع أيّ من القوى الإقليميّة، فضلاً عن المحلّيّة، من استثمار الفراغات التي تنشأ هناك ومن ملئها، معطوفاً على التفرّج من بُعد على الخراب السوريّ، والخراب العربيّ استطراداً.
وقد تفكّر الدولة العبرية بأنّها، على خلاف أوروبا وبلدانها، دولة واحدة وقرار مركزي واحد، وهذا يعني أنها تستطيع بالجدران والعوازل ضمان النجاح لخططها الحمائية. وهذا اختصاص لا تنقصها فيه المهارة والتقاليد.
وبالفعل، ليس هناك اليوم تهديد لإسرائيل من خارجها. أمّا الأراضي المحتلة في الضفة الغربية وقطاع غزة فيبقى تهديدها، عبر سكاكين المطابخ والدهس بالسيارات، مضبوطاً وقابلاً للسيطرة عليه. وحتى لو تطور الأمر من «هبّة» إلى «انتفاضة»، فإنّ مستوى أعلى من القمع والقسوة يستطيع أن يتكفّل بالأمر. وأغلب الظن أن انهيار السلطة الوطنية الفلسطينية الذي حذر منه بنيامين نتانياهو متظاهراً بالحرص والقلق، لا يغير إلا قليلاً في المعادلة هذه.
لكنْ، أليس من تهديد لإسرائيل يتأتّى من داخلها؟
فالعرب في الدولة العبرية ليسوا ذاك الكمّ الضئيل المحدود التأثير. وهم، فضلاً عن أسبابهم الكثيرة، الراهن منها والقديم، للرفض والاحتجاج، قد يبرهنون أن «غربية إسرائيل» أو «أوروبيتها» لا تصلح دائماً جداراً للوقاية من العرب فيها. ذاك أن التطرف الإسلاموي باتت له مدنه ومواقعه الكثيرة في الغرب ذاته، حيث ينشأ عن التحام التهميش بعلاج الهوية المزعوم مُركب انفجاري مخيف. وإذا صح أن الأوضاع في عموم المنطقة سائرة نحو المزيد من الاستقطاب والتشدد، وأن ريح الهويّات الصغرى سسيزداد عصفاً، لا يعود مقبولاً استثناء إسرائيل من الجحيم. فهي، والحال هذه، تُصاب بـ «الشرقي» فيها كما بـ «الغربي»، وبـ «القومي – الديني» فيها كما بـ «التعددي».
فالسينيكية التي واجهت بها تل أبيب الفوضى العربية قد لا تخدم أصحابها طويلاً. وليس من كلام الطوبى أن يقال أن الطريقة الأجدى في الإفادة من هذه الفوضى هي بالضبط ما لم تفعله إسرائيل، وما لا يشبه نتانياهو الذي يواصل الاستيطان وقضم الأراضي، وهي أيضاً ما لم يحض عليه باراك أوباما بالقوة المطلوبة التي أوحى بها ذات مرّة. وتلك الطريقة المرجوّة لا يُشبعها إقرار موازنات جيدة لتضييق الفجوة بين يهود الدولة العبريّة وعربها، خصوصاً مع اقتران هذا الإقرار بحملة مسعورة على القيادات العربية. والحال أنّ المفتاح الفعلي يبقى إياه، أي تسوية الموضوع الفلسطيني بالاتفاق مع محمود عباس وسلطته. بهذا ربما كان يمكن إسرائيل، المهجوسة بالتميز، أن تتميز عن خراب محيط وجارف.
*ينشر هذا المقال بالتزامن في جريدة الحياة وبوابة العين الالكترونية*
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة