حينما يكون خطاب الآخر والمختلف أو المنافس والندّ مشارفًا بأي درجة للمنطق والممكن الذهني، فثمة إمكان للحوار والرد والتبرير أو الاعتذار
حينما يكون خطاب الآخر والمختلف أو المنافس والند مشارفًا بأي درجة للمنطق والممكن الذهني، فثمة إمكان للحوار والرد والتبرير أو الاعتذار ، أما أن يكون متعاطي التنديد والشجب والعويل طرف لا علاقة له بكل ذلك وبكل لغة عقلانية وإنسانية وأخلاقية، فهنا تكون وعورة الرد والحوار، وذلك ما يمكن خلعه على السياسة والمنطق الإيراني الذي يعتمر ملاءة الولي الفقيه "وكيل الله على العباد والبلاد" بحسب العقيدة الإيرانية المشوهة والبراقماتية، هذا النظام الذي ضرب بالعلاقات الدبلوماسية وعلاقات الجوار وسيادات الدول عرض الحائط.
بالأمس غير البعيد ناحت اللغونة الإيرانية على اليمن باعتبارها تتعرض للعدوان الخليجي، معتبرة السعودية وحلفها غزاة معتدون جائرون، وقبل ذلك قامت بذات الدور الهجين لحظة تدخل درع الجزيرة في إنقاذ البحرين من براثن المد القومي الإيراني والتوسع المذهبي المسيس.
اليوم إيران تعود للتدخل في المحيط الخليجي والعربي بكل سفور وصفاقة وبذاءة سياسية ودبلوماسية، وكان ذلك في إقحام نفسها في الشأن والسيادة السعودية باعتراضها الهمجي على مقتل مواطن سعودي إرهابي وعميل، اجتمعت فيه شروط وموجبات الإعدام، ودافعها في ذلك أن من تم إعدامه من الطائفة الشيعية التي نصبت نفسها حفيظًا وشرطيًا لها، وإن استدعى الأمر التعدي على سيادة الدول، وذلك ما استمرأته إيران عبر تاريخها الخمينوي، ومارست شغب الفكر الثوري لا فكر الدولة بالتعدي على السفارة السعودية وحرقها، وإن زعمت أنه ردة فعل شعبية عفوية.
ولو عدنا لمعارج الماضي، حيث العدوان الإيراني قد طال الزمان والمكان المقدس موسم الحج عبر تسيسيه وممارسة الإرهاب والأعمال التخريبية الهمجية فيه، ولعل آخرها موسم الحج الأخير والذي ذهب ضحيته مئات الأبرياء.
وإن ظللنا نؤرشف التجاوزات الإيرانية بحق محيطها الخليجي والعربي، فإننا سنظل نكتب ونكتب دون أن تتناهى خطايا النظام الإيراني.
المفارقة أو السؤال المهم والراهن ما الذي أصاب إيران مؤخرًا؟ وما الذي عجزت عن استيعابه؟
برأيي، إن إيران استسلمت لِخِدْر القوة ووسواس التعالي وعمه العدوان وازدراء دول الجوار العربية "الخليج"، وذلك ما جعلها تواصل عدوانها وخرقها لحدود وأعراف الدبلوماسية، وتخوم سيادة الدول لمرحلة التوسع على حساب الدول العربية "سوريا، العراق، لبنان، اليمن" نموذجًا.
إيران عاجزة عن استيعاب إمكان التململ العربي الخليجي، متوهمة أن الخليج كما كان سابقًا "توجسًا وتراخيًا ومواربة وترددًا"، ولذلك هي تغرق في الصدمة، بخاصة في تلك اللحظة الفارقة في التاريخ السعودي والخليجي بعامة، المتمثلة بعاصفة الحزم التي أعلنت فيها السعودية ودول الخليج ومعها الحلف العربي ردع إيران عن العبث في الجزيرة العربية، وذلك ما لم تحتمله إيران وأحدث فيها نزيفًا نرجسيًّا أصابها في كبريائها، لتوهمها أن دول الخليج دويلات لاحول لها ولا قوة.
لحظة إعدام رجل الشيعي السعودي نمر النمر، والذي لم يدر بخيال الوعي الإيراني أن تجترحه السعودية رأت إيران بكل بلاهة دبلوماسية أن تلعب بالنار من خلال العدوان على السفارة السعودية وإحراقها، إمعانًا في ازدرائها للسعودية متوهمة أن السياسة السعودية ستتعاطى بالتراخي واللملمة، كما كانت سابقًا، ولشعور الإيرانيين أن السعودية والخليج أقل من أن تقرع طبول القوة والمباشرة والرد بالحجم الذي يوازي التهور الإيراني، فكان إعلان الخارجية السعودية إغلاق سفارتها في إيران وقطع العلاقات معها.
( باختصار )
نحن نتماس مع لحظات تاريخية تختطها السياسة السعودية والخليجية في التعاطي مع إيران، وهي تمثل نهاية حلم الحليم وبداية غضب الحليم، والذي لم تكن إيران تحسب له أي حساب بحكم الخيلاء والطغيان الثوري والسياسي والفكري الذي يشتمله لاوعي القيادة الإيرانية.
أدركت السعودية أن السياسة الإيرانية موغلة في رغبوية وأوهام التوسع والهيمنة على حساب المحيط الخليجي، الذي صمت طويلًا على عنجهية إيران دون أيما مردود سياسي وأخلاقي، وأن الإمعان في التغاضي على العبثيات والعنتريات الإيرانية ستكون عواقبه في تصاعد مدمر، وما إحراق السفارة السعودية إلا كقشة قصمت ظهر البعير، وأنهت بقايا صبره، ولذلك انخرطت في مواجهة صريحة وساخنة مع هذا النظام الهمجي السادر في طغيانه وكبريائه وعدوانه .
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة