اغتيال منفذ عملية تل أبيب.. إنجاز إسرائيلي مغلّف بالإخفاق
الفشل الاستخباري يزيد المخاوف من العمليات الفردية
لا تزال أصداء العملية الفدائية التي نفذها فلسطيني في تل أبيب، وأدت لمقتل إسرائيليين وإصابة 6 آخرين، تشعل الجدل في أوساط الاحتلال
لا تزال أصداء العملية الفدائية التي نفذها الفلسطيني نشأت ملحم في تل أبيب، وأدت لمقتل إسرائيليين وإصابة 6 آخرين، تشعل الجدل في أوساط الدوائر الأمنية والإعلامية الإسرائيلية، حول حجم الإخفاقات التي واكبت التعامل مع القضية، وسط إيمان يشترك فيه الخبراء الإسرائيليون والفلسطينيون باستحالة مواجهة العمليات الفردية، في ظل وجود حوافز عليها من الجرائم الإسرائيلية.
وبعد أن هدأ الصخب الاحتفالي باغتيال ملحم، الجمعة الماضية، بعد أسبوع من المطاردة في شقة بمنطقة عرعرة في الداخل الفلسطيني، تفجّر الحديث عن القضية في الصحف الإسرائيلية الصادرة اليوم، الأحد، على شكل انتقادات شديدة للشرطة الإسرائيلية والشاباك حول أدائهما وإخفاقاتهما.
إنجاز مقزم
ورأى المحلل العسكري في صحيفة يديعوت أحرونوت، ألكس فيشمان، أنه "من الناحية المهنية: الوصول إلى ملحم، خلال سبعة أيام، هي فترة معقولة، وحتى سريعة. لكن خلال هذا الأسبوع طفت وتكشفت أسئلة كثيرة وصعبة يتقزم الإنجاز المهني مقابلها".
وأضاف أنه "إذا كان هناك في امتحان الواقع إنجاز مهني، فإنه في امتحان شكل معالجة قلق الجمهور، و"امتحان الذعر"، الفشل مدوٍ".
ونفذ ملحم عملية فدائية بواسطة بندقية قديمة من نوع فالكون، أطلق منها النار تجاه مقهى وحانة في "ديزنغوف" وسط تل أبيب، ليقتل إسرائيليين ويصيب 6 آخرين، قبل أن يُقتل سائق عربي ويختفي عن الأنظار، ما أثار ذعرًا كبيرًا في المدينة الصاخبة وأدى إلى ما يشبه الشلل فيها.
نقطة عجز
ويؤكد الخبير الفلسطيني في الشأن الإسرائيلي، الدكتور عمر جعارة، في تصريحات خاصة لـ"بوابة العين" أن النقطة المهمة في قضية الشهيد ملحم، كيف انتقل من تل أبيب إلى وادي عارة بالذات، دون أن تتمكن الأجهزة الأمنية الإسرائيلية من الوصول إليه، ما يعد عجزا وفشلا كبيرين لهذه الأجهزة.
وقال جعارة "اختفاء ملحم ثمانية أيام يشكل ثغرة كبيرة"، لافتا إلى فشل آخر لدى الأجهزة الإسرائيلية يتعلق بتحديد مساعدي الشهيد، حيث جرى الإفراج عن والده وشقيقه، وبعض أقاربه، فيما تم تمديد اعتقال خمسة آخرين، دون وجود دلائل ارتباط قوية ما يعكس حجم التخبط الإسرائيلي.
وأفرجت محكمة الصلح في حيفا بشروط قبل ظهر اليوم (الأحد) عن محمد ملحم والد الشهيد نشأت وكذلك عن أحد أشقائه علي، وسمحت لهما بحضور مراسم دفن نشأت ملحم، التي أقيمت في عرعرة بعد ظهر اليوم،.وكان محمد وعلي ملحم قد اعتقلا منتصف الأسبوع الماضي ومعهما عدد من أفراد العائلة للاشتباه فيهما بمساعدة نشأت على الفرار.
ثقب عملاق
ويقر المحلل العسكري في صحيفة "هآرتس"، عاموس هرئيل، أن الأحداث خلال الأسبوع الماضي "ليست مصدر فخر خاص لأذرع الأمن"، في إشارة لما يراه إخفاقا للأجهزة الأمنية الإسرائيلية التي تفاخر عادةً بقدراتها الاستخبارية العالية.
وتساءل هرئيل كما فيشمان، حول كيفية تمكن ملحم من إطلاق النار في تل أبيب والعودة إلى وادي عارة من دون عائق؟، والأنكى من ذلك، برأيهما، أن يبقى في وادي عارة عدة أيام والحصول على مساعدة من دون أن يبلغ أحد عن ذلك.
ووصف فيشمان ما حدث بأنه "ثقب أسود استخباري عملاق"، مقررًا أن الشاباك والشرطة لا يعرفان شيئا عما يحدث في وادي عارة، وفي المجتمع العربي.
فجوات خطيرة
واعتبر هرئيل أن "التأخير في العثور على ملحم يكشف فجوات في نوعية تغطية الشاباك، ومن شأنه أن يدل على ضعف استخباري بكل ما يتعلق بإحباط الإرهاب من جانب عرب إسرائيل، قياسا بالإرهاب الفلسطيني".
ويشير الخبير الفلسطيني جعارة، إلى أن وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي السابق، تحدث عن هذا الفشل بشكل واضح، حتى إنه تحدث أن الاستخبارات الإسرائيلية تستطيع أن تجمع أية معلومات في مناطق السلطة، في حين أنه ثبت فشلها في الحصول على شيء من منطقة عرعرة.
أخطاء ملحم قادت إليه
ويرى الخبير جعارة، أنه لولا سلسلة أخطاء اقترفها ملحم، بعد تنفيذه العملية؛ لزادت صعوبة الوصول إليه، ولربما استمر لغزا يربك الاحتلال، مبينًا، أن أولى هذه الأخطاء محادثته مع والده عبر الهاتف عقب العملية، ويبدو أنه تنبّه لخطورة ذلك لكنه ألقى الهاتف الجوال.
كما أشار إلى أن قتله للسائق العربي أيمن شعبان، واستخدام جواله، ساعد في تحديد مسار تحركه لاحقاً من خلال فحص DNA، والخطأ الأكبر، كان عندما نزل في شقة ومنها تجوّل في المنطقة واشترى من بقالة، حيث تعرف عليه أحد الأشخاص وأرسل رسالة لمحامي العائلة، ما ساعد في تحديد المربع الذي يقيم فيه، وبالتالي الوصول له.
الخوف من العمليات الفردية
الأمر الأخطر الذي يتوقف عنده المحلل الإسرائيلي هرئيل، هو أن العملية أعطت مؤشرًا ببروز احتمال تنفيذ عمليات أخرى من جانب الجمهور العربي في إسرائيل، سواء بسبب التصعيد العنيف في المناطق (المحتلة) أو بسبب "تأثير داعش"، و"الهزة في العالم العربي التي تدفع عددا أكبر من الشبان إلى الإرهاب الفردي".
وسبق أن نفذ الفلسطيني مهند العقبي من منطقة حورة في النقب، جنوب إسرائيل، بتاريخ 18 أكتوبر الماضي، عملية إطلاق نار في بئر السبع قتل خلالها جنديًا، إسرائيليًا وأصاب 11 آخرين من الجنود وأفراد الشرطة الإسرائيلية، كما قتل أريتري إثر تعرضه لإطلاق نار من إسرائيليين ظنوه المنفذ.
ويؤكد الخبير جعارة، أن تنفيذ المزيد من العمليات أمر وارد، مشددا على أن السمة البارزة لعملية ملحم تؤشر إلى أنها عملية فردية، وهذا النمط من العمليات، يصعب إحباطه أو مواجهته.
ولفت إلى أن الأوساط الإسرائيلية تتحدث بشكل واضح، "أننا لا نستطيع أن نلغي سكاكين المطبخ؟ ولا نستطيع أن نفهم ما يدور في رأس شخص خلف مقود السيارة؟ وكذلك الحال القدرة على تأمين سلاح المسألة ليست صعبة".
وأشار إلى أنه في حالة نشأت ملحم، استخدم سلاحًا مرخصًا من نوع فالكون، وهو سلاح قديم، وغير فعال بشكل كبير، متسائلاً عن النتائج التي كانت يمكن أن تحدث لو استخدم سلاحًا رشاشًا مطورًا من نوع m16 مثلاً".
وعلى الرغم من أن رئيس الوزراء "الإسرائيلي" بنيامين نتنياهو وأركان حكومته، حاولوا تسويق اغتيال نشأت ملحم منفذ عملية "ديزنوف" في تل أبيب كإنجاز، فإن نخبا إعلامية "إسرائيلية" هاجمته واتهمته بالفشل الذريع في مواجه المقاومة.
وقال أمنون أبراموفيتش، المعلق في قناة التلفزة الثانية، إن نتنياهو يحاول الاحتفاء وفي تعليق له الليلة الماضية، نوّه أبراموفيتش إلى أنه كان يتوجب دراسة الإخفاقات التي كشفت عنها العملية التي نفذها ملحم وليس الاحتفاء بتصفيته.
من ناحيته قال الصحافي أمير تيفون، معلق الشؤون السياسية في موقع "وللا"، إن نتنياهو لم يفشل فشل فشلا ذريعا فقط في مهمة الحفاظ على أمن "الإسرائيليين"، بل إنه لم يعد قادرا على تقديم تعهدات بتحسين الأوضاع الأمنية واستعادة زمام المبادرة في مواجهة الفلسطينيين.
من ناحيته، قال ألون بن دافيد، معلق الشؤون العسكرية في قناة التلفزة العاشرة، إن "إسرائيل" تقف عاجزة أمام موجة العمليات وإن أحدا لم يعد قادرا على تقديم ضمانة باستعادة الأمن.
aXA6IDMuMTQ5LjI1NC4yNSA=
جزيرة ام اند امز