لم يكد يظهر سام إسماعيل صانع مسلسل (مستر روبوت) على المسرح لاستلام جائزة جولدن جلوب كأفضل مسلسل درامي، ومعه نجم العمل الممثل رامي مالك.
لم يكد يظهر سام إسماعيل صانع مسلسل (مستر روبوت) على المسرح لاستلام جائزة جولدن جلوب كأفضل مسلسل درامي ومعه نجم العمل الممثل رامي مالك حتي حفلت وسائط الاتصال الاجتماعي مثل تويتر وفيس بوك بحجم هائل من الرسائل الاحتفالية المتبادلة خاصة بين الشباب العربي. الأمر مفهوم، فالنجوم العرب لم يحققوا تألقا في هوليوود بهذا الشكل منذ عمر الشريف. وقد ظهر بعض النجوم بعده لكن لم يحظوا بنفس الاهتمام ولم يكن لأصولهم العربية تأثير كبير على مسيرتهم الفنية. أذكر منهم النجم ذا الأصل السوري موراي ابراهام الحاصل على جائزة أوسكار، وكذلك النجم اللبناني الأصل توني شلهوب الذي تألق في أدوار ليست كبيرة في عدد من الأفلام إلى أن تولي بطولة مسلسل (مونك) الذي قدم فيه شخصية عبقرية لمحقق جنائي ولكن بطريقة غير تقليدية حصل بها أيضا على جائزة جولدن جلوب كأفضل ممثل.
لكن أبراهام و شلهوب كبرا في العمر، وجاءت نجوميتهما متأخرة، ولم يظهر إبراهام بنفس القوة بعد فيلم "أماديوس" كما لم يتألق شلهوب بنفس القدر بعد "مونك".
لذلك فإن ما رأيناه في الحدث الأخير لا يمكن التقليل من أهميته، وهو ظهور شابين من أصل عربي/ مصري على مسرح جولدن جلوب تميزا في التمثيل وإخراج وإنتاج عمل فني ناجح. صحيح أن الممثل رامي مالك لم يفز بالجائزة رغم ترشيحه لها، لكن علينا أن نقرأ ما كتبته الناقدة الفنية ليا توماس التي عبرت عن صدمتها لذلك، وقالت إن المسلسل مستمر في الموسم القادم وسوف تأتي فرصة رامي للفوز بعد أن حظي بتقدير هائل في الموسم الأول للعمل. أما سام إسماعيل فقد فاز عمله بالفعل باعتباره مؤلف ومخرج ومنتج هذا المسلسل. هذه ربما تكون أول مرة تظهر فيها شخصيات من هذا النوع في هوليوود بعد المخرج المنتج الراحل مصطفي العقاد، الذي التقيته مرة ووجدته محبطا من عدم وجود دعم حقيقي لتقديم أعمال جديدة على مستوي فيلمه الشهير "عمر المختار". وبعد وفاته التقيت ابنه مالك عقاد وقال لي إنه يريد أن يسير على خطي والده لكنه لم يجد الدعم الذي يحتاجه أيضا. هذه المرة يظهر أمامنا فجأة شاب ناجح، ولد في هوبوكن بولاية نيوجيرزي ودرس في نيويورك وانطلق في هوليوود صانعا نجاحه بنفسه ليفرض وجوده وسط أباطرة هذه الصناعة.
أهم ما يميز سام ومالك هو أنهما من الجيل الثاني للمهاجرين أي أنهما أمريكيان يفهمان ثقافة البلد الذي ولدا وعاشا فيه ويمكنهما شق طريقهما بشكل أفضل ممن يأتون ضمن الجيل الأول للمهاجرين الذين يضيعون وقتا طويلا في محاولة فهم المجتمع والبحث عن مكانهم ومكانتهم. وحتي في حالة تفوقهم ستظل لهم لكنة خاصة تجعل أيا منهم (أمريكي بشرطة). أما أبناء الأجيال الجديدة فهم أبناء هذه الثقافة وهذا المجتمع، وبالتالي فإنهم أكثر قدرة على التأثير فيه بشكل إيجابي. المهم في هذه الحالة أن يكون لديهم ارتباط بالثقافة الأصلية التي جاءوا منها بحيث يمكنهم نقلها بصورة صحيحة، لذلك فإن أكثر ما أسعدني في حالة سام إسماعيل هو تحيته لأسرته في مصر واستخدامه كلمة "شكرا" في نهاية كلمته. هذه الأمور ليست بدون معني فهي تعبر عن تواصل للثقافة والاعتزاز بها وباللغة التي تعبر عنها.
قد يبدو اهتمامي بالأمر مبالغا فيه، لكن لإدراك مبرراته علينا أن نعود لكتاب هام أصدره خبير شئون الإعلام والسينما الأمريكية جاك شاهين بعنوان Reel Bad Arabs وتم عمل فيلم تسجيلي بنفس الاسم الذي يشير إلى الإساءة لصورة العرب في السينما الأمريكية. وقد سألت يوما أحد أباطرة هوليوود جاك لافانتي عن سر تمسك صناعة السينما الأمريكية بالصور النمطية السيئة للعرب فكانت إجابته أن هذا ليس جديدا، فقد أساءت في فترات أخرى لليهود وللإيطاليين وللأمريكيين الأصليين وغيرهم.
هذا الكلام حقيقي، لكن مالم يقله لافانتي هو أن الإساءة للعرب وأحيانا للمسلمين انحدرت إلى مستوى لم نشهده تجاه الجماعات الأخرى، ويمكن أن تستمر لسنوات أخري قادمة مالم يتم تقديم صورة أخري موازية أكثر إيجابية أو حتى أقرب للحقيقة بسلبياتها وإيجابياتها دون تحسين أو تشويه. هنا يأتي دور هذا الجيل الجديد من شخصيات هوليوود من ذوي الأصول العربية أو الإسلامية. فليس المطلوب منهم تجميل ما هو قبيح، المطلوب فقط هو قدر من الوعي والاحترام للحضارة والثقافة العربية بما فيها من سلبيات وإيجابيات وأن يقدَم العرب كبشر طبيعيين فيهم الصالح والطالح، فيهم الخير والشر، فيهم الإرهابي العنيف وكذلك من يحارب الإرهاب، فهم ليسوا جميعا شياطين دائمين كما تؤكد هوليوود في أغلب الأعمال.
لقد حان الوقت لتغيير ذلك، لكن التغيير لن يحدث بدون دخول الأموال والمواهب والخبرات العربية في صناعة السينما. لقد ظهرت في السنوات الأخيرة وجوه جديدة لجنسيات متعددة في هوليوود أبرزها الشخصيات الهندية التي بدأت لمساتها وتوجهاتها تظهر بشكل واضح في أعمال جديدة. وعندما تظهر شخصيات من أصول عربية مثل رامي مالك وسام إسماعيل فهي نقلة كبيرة يجب الاحتفاء بها ومساندتها، فهي إن استمرت وانتشرت فإن أهميتها ستتجاوز بمراحل أهمية ظهور عمر الشريف منذ نحو نصف قرن.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة