الروابط العشائرية.. قوة التقاليد ودرع العائلات في مواجهة التفكك الاجتماعي
تقضي في جرائم الدهس والقتل والمشاجرات والخلافات العائلية، وترتبط بأسماء شيوخ العشائر والوجهاء في الأردن، الذي يضم 78 رابطة عشائرية.
يلجأ الكثير من الأشخاص إلى رابطة أو ديوان العشيرة الخاصة بهم، في حال وقوعهم بالمشاكل، لتلعب هذه الدواوين والروابط دورًا أساسيًّا ومهمًّا في حل الشق الاجتماعي من أية مشكلة، ليبقى الجزء القانوني.
هذه الروابط ليست بالأمر الحديث، فقد شهد الأردن وجود روابط ودواوين منذ أكثر من مائة عام، وكانت بدايتها في محافظة السلط، وترتبط بأسماء شيوخ العشائر والوجهاء في المنطقة، ويوجد في الأردن 78 رابطة عشائرية، بحسب آخر تصريحات لوزارة الداخلية في هذا الشأن.
يروي الشاب ياسر حمد أنه تسبب بوفاة طفل صغير، فوجئ به يخرج من بين السيارات، ليصبح برمشة عين تحت إطارات سيارته، وقام على الفور بنقل الطفل الى المستشفى، إلا أن المنية وافته ولفظ أنفاسه الأخيرة داخل السيارة.
يتابع ياسر: "قمت على الفور بتسليم الجثة للمستشفى، وتسليم نفسي للشرطة، ثم بدأت رحلة الحساب، وتم سجني لفترة مؤقتة حتى تدخلت الرابطة العشائرية وقامت بالصلح بيني وبين ذوي الطفل وأقاربه، وتم تطبيق الحق العام بسجني لمدة عام، وتدخل الرابطة أسقط عني الحق الشخصي بالعقوبة لذوي المتوفي وبقي الحق العام".
كنز اجتماعي
أما الخمسيني أبو عزمي، الذي أرهقه البعد عن بيته وأقاربه فيقول: "أثناء زفة ابن عمي، وقعت مشاجرة بين أقاربي وشخص غريب بسبب إغلاق الطريق، لتتفاقم الأمور ويدخل الشيطان بينهم، وتنطلق رصاصة من مسدس ابن عمي لتستقر في رأس المتوفى رحمة الله عليه".
ويضيف أبو عزمي: "اتصلنا فورًا بجميع الأقارب من الجد الواحد، وذهبنا بدخالة (أي اللجوء لمنزل أحدهم طلبًا للحماية) لمنزل أحد شيوخ المحافظة خشية من فورة الدم (أي ردة فعل أهل المتوفي في ذلك الحين والقصاص الفوري)، وبعد ذلك قام الشيخ بتسليم ابن عمي للمركز الأمني وبدأت المقاضاة".
لحظة الشيطان والتصرفات الطائشة تسببت بإجلاء ورحيل أكثر من 8 عائلات، تربطها قرابة من الدرجة الأولى بالجاني، لمدة عشر سنوات، من منازلها ومناطق سكنها إلى مناطق أخرى وعدم تمكنهم من بيع هذه الممتلكات.
ويتحدث أبو عزمي بحرقة عن لحظة تدخل ديوان احد العشائر للصلح بينهم وبين أهل المجني عليه، ليتمكنوا حينها من كتابة صك صلح عشائري يسمح للعائلات الجالية العودة لبيوتهم التي هجروها قبل 10 سنوات.
الرابطة العشائرية بوجهة نظر أبو عزمي، هي كنز اجتماعي لا يجب التفريط في أو التقليل من دوره.
الرابطة رديف للقانون
رئيس رابطة أبناء عشيرة العبيدين، جمال الحجاج، يبين أن أهمية أي رابطة تأتي في كونها وسيلة منظمة تجمع أبناء العشيرة الواحدة، وتعمل على تغيير سلوكهم للأفضل، وتحسن علاقاتهم الاجتماعية، وتؤازر أبناء العشيرة في حال تعرض أحدهم لخطر أو موقف يحتاج به لمساندة العشيرة.
يقول الحجاج: "تم تأسيس الرابطة في عام 2011، والاشتراك بها فردي اختياري، وعدد المشتركين بها قد تجاوز 2000 عائلة، والرابطة رديف للقانون، وهنالك تواصل دائم بيننا وبين الجهات الأمنية المعنية، وأكثر القضايا التي نشارك في حلها هي قضايا الدهس والقتل والإصلاح بين الناس في حالة المشاجرات والخلافات".
ويجد الحجاج أن للرابطة أثر مهم في تثقيف الشباب وتوعيتهم، خاصة عندما واجه الأردن فترة حراك سياسي، فيقول: "يحتاج الشباب إلى موجه وداعم لهم، ولعبت الرابطة دورًا كبيرًا في هذه الشؤون، كما تعمل الرابطة على تقوية العلاقات الاجتماعية بين الناس في الأفراح والأحزان، كما نجمع المعلومات ونحدد العائلات المحتاجة ونعمل على مساعدتها، فالمجتمع الأردني مجتمع عشائري، والعشيرة هي العمود الفقري للعائلات التي تنتمي لها، فالعشيرة تتكون من عائلات عديدة، ويتراوح عدد أعضائها بين 15 و18 ألف شخص، يدفع كل منهم مبلغًا رمزيًّا، لتدبير احتياجات الرابطة".
مرجع مهم
الدكتورة أمل العواودة، أستاذ مشارك في علم الاجتماع من الجامعة الأردنية، تقول: "الروابط والدواوين العشائرية مظلة لقرار يتم اتخاذه من قبل العشيرة، ولهذه الروابط أدوار اجتماعية، ففي كل رابطة يتم مناقشة الشؤون الاجتماعية التي تواجه العشيرة، فهي مقر للمناسبات أيضًا في الأفراح والأحزان، ويلجأ الشخص الذي ينتمي لعشيرة معينة للرابطة والأعضاء حتى يجدوا حلًّا لمشكلته، ليخرجوا برأي جماعي يحدد كيفية حل هذه المشكلة".
وتضيف العواودة: "الرابطة او الديوان شكل من أشكال التماسك الاجتماعي، فوجود مرجع لأي شخص أمر مهم جدًّا، حتى لا يصبح المجتمع متفككًا وفرديًّا في تفكيره، بل والأهم أن تكون هناك محددات وآليات لهذا التفكير".
aXA6IDE4LjExOS4yNDguMjE0IA== جزيرة ام اند امز