لدى كثير من الذين تابعوا الجلسة الافتتاحية لمجلس النواب،فإن الذى سوف يبقى فى أذهانهم هو بعض الحركات واللقطات والمشاهد الفرعية والهامشية
لدى كثير من الذين تابعوا الجلسة الافتتاحية لمجلس النواب أمس الأول الأحد، فإن الذى سوف يبقى فى أذهانهم هو بعض الحركات واللقطات والمشاهد الفرعية والهامشية، وليس القضية الجوهرية وهى ان خريطة الطريق انجزت وبرلمانا اكتمل وانعقد وانتخب رئيسه ووكيلاه وبدأ فى مناقشة وإقرار مئات القوانين التى صدرت فى غيبته.
يفترض أن مثل هذه الخلافات والمشاهد الفرعية تظل على الهامش وليس فى قلب المتن، لكن عندما تصير هى القاعدة، فإن هناك مشكلة كبيرة تهدد سمعة هذا البرلمان الوليد.
هل يعقل ان برلمانا به ٥٩٦ عضوا يدفع ثمن تصرفات بعض النواب القلائل جدا؟!
هناك امكانية ان ينجح البرلمان إذا تصرف أعضاءه بمسئولية، لكن حتى هذا الاحتمال مهدد بفعل بعض التصرفات التى ستدفع هذا المجلس وتظهر بعض نوابه وكأنهم مجموعة من الممثلين الهزليين!!
قبل أيام قليلة استمعت إلى تقديرات لمصادر مسئولة، تقول ان العديد من مؤسسات الدولة سيبرهن قريبا على عدم وجود صلة بينها وبين الرموز والوجوه التى يصفها كثير من الناس بالمسيئة.
علينا ألا نلوم وسائل الإعلام المتنوعة التى تركز على كل ما هو غريب وطريف وخارج عن المألوف، بل نركز على الخارجين على القانون والآداب العامة، والذين يمكن ان يتسببوا فى الإساءة للبرلمان بأكمله رغم انه يضم الكثيرين من المحترمين والخبراء.
أحد هذه المصادر أقسم لى أن مؤسسة الرئاسة لا تتحدث من قريب أو بعيد مع كل الذين يصرخون ليل نهار فى الفضائيات، والدليل أنها كمؤسسة تتعرض لعمليات قصف إعلامى منظم من بعض هؤلاء، وبعض ما يقال يقترب من الخيال العلمى.
قلت لهذا المسئول انه حتى لو صح ذلك، فإن المهم هو ما يصل إلى الناس من انطباعات، والانطباع الرئيسى هو ان هؤلاء «الشتامين» محسوبون على بعض مؤسسات الدولة، خصوصا ان كثيرا من المعارضين جرى اسكاتهم أو التضييق عليهم بطرق متنوعة.
ما فهمته من هذا النقاش هو ان بعض أجهزة الدولة بدأت تدرك حجم الخسارة الهائلة التى تتحملها على المدى البعيد من جراء ان الأصوات الخارجة عن المألوف محسوبة عليها.
مصدر كبير قال لى ان ذلك سيتم التعامل معه بجدية شديدة فى الفترة المقبلة بحيث تصل رسالة واضحة إلى الجميع، بأن مؤسسة الرئاسة لا صلة لها من قريب أو بعيد بهذه «الكائنات» على حد تعبيره.
استمتعت إلى هذا الكلام وكان معى بعض الأصدقاء من كبار الصحفيين، اتفقنا جميعا على ان حدوث ذلك، سيبعث برسالة واضحة إلى قطاعات كثيرة محترمة فى المجتمع بأن «قلة الأدب والسفالة والانحطاط» لن يسود، ولن يتم مكافأة أصحابها.
هذا النوع من الانحطاط الأخلاقى قد يكون أفاد البعض فى فترة ما، لكن استمراره سيدمر سمعة الدولة بأكملها.
فى فترة ما بعد ٢٥ يناير ٢٠١١ كان هناك سباق محموم على كسب تأييد قطاعات واسعة من المهمشين والعشوائيين والحرفيين والأميين، الذين كان بعضهم مخزنا لتصويت الجماعات المتطرفة التى تتاجر بالإسلام وقد تكون هذه الأصوات الزاعقة فى الإعلام لعبت دورا فى استقطاب بعض هذه الفئات، وفى المقابل هى حصلت على مكاسب هائلة من الحكومة. لكن ليس ممكنا ان تتصور هذه الأصوات انها ستظل طليقة «تهبش فى هذا وتنهش فى ذاك».
هذا النوع ثبت أنه يكلف الدولة الكثير، وأصاب قطاعات واسعة من الناس العاديين بالقرف والاكتئاب وهجر المجال العام، بل والتعاطف أحيانا مع بعض المتطرفين.
ليس مطلوبا من اجهزة الدولة ان تسجن شخصا، أو تغلق صحيفة أو توقف بث فضائية بإجراءات إدارية.
مطلوب من الأجهزة المختصة فقط ان تطبق صحيح القانون على الجميع، إذا حدث ذلك فسوف يتم «تنظيف» البلد من هذه الكائنات بسهولة ويسر ومن دون ضجيج.
فقط طبقوا القانون، من أجل مصلحة البلد ومستقبلها، ومن أجل مصلحة الحكومة نفسها، التى ينبغى أن تراهن على كسب عقول وقلوب واحترام غالبية الناس أى البشر العاديين المحترمين. هؤلاء يشعرون بالحرج وهم يسمعون الشتائم والبذاءات تتدفق من أجهزة إعلام رسمية، فقرروا اغلاق التليفزيونات وهجر المشهد بأكمله.
على الحكومة ان تجرب الاستثمار فى الآداب العامة، بعد ان صارت قلة الأدب مهنة وصنعة.
*ينشر هذا المقال بالتزامن في جريدة الشروق المصرية وبوابة العين الإلكترونية*
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة