السياسة السعودية.. تحول ديناميكي في مواجهة المخاطر
ترجمت رؤية الملك سلمان على خارطة العرب والمسلمين
قبل عام من الآن، شهدت السياسة السعودية تحولا ديناميكيا في التعاطي مع الملفات والقضايا الخارجية
قبل عام من الآن، شهدت السياسة السعودية تحولا ديناميكيا في التعاطي مع الملفات والقضايا الخارجية، منذ تولي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، دفة القيادة، ودعت سياستها الناعمة وأبدلتها بسياسة المبادرة والاستباق، برزت نقاط قوتها في صناعة التحالفات الإقليمية والدولية ومضاعفة طاقتها الدبلوماسية لحلحلة قضايا المنطقة العربية والإسلامية.
لم يدر في ذهن المتابع لأول خطاب متلفز ألقاه الملك سلمان بعد توليه الحكم في مثل هذه الأيام من العام الفائت، أن تترجم رؤيته السياسية على أرض الواقع بهذه السرعة، فمنذ أيامه الأولى، لم تهدأ العاصمة الرياض التي استقبلت مطاراتها عشرات الزعماء والقادة من أقطار العالم، فتحت على ضوئها ملفات إقليمية ودولية معقدة.
بعد أسابيع قليلة من رسم السياسة السعودية الجديدة، تفاجئ العالم أجمع بأولى نتائجها، تشكيل تحالف عسكري ضم أكثر من 10 دول عربية بقيادة السعودية لمواجهة التمدد الإيراني في اليمن انطلق بعمليتي (عاصفة حزم) و(إعادة الأمل)، بدت تطبيقًا سريعًا لما تعهد به خادم الحرمين الشريفين في خطابه الأول: "سنواصل الأخذ بكل ما من شأنه وحدة الصف وجمع الكلمة والدفاع عن قضايا أمتنا العربية والإسلامية".
وفي مسار مواز، تمكنت الدبلوماسية السعودية بدعم عربي، من استصدار مشروع القرار الأممي 2216، ضد الرئيس اليمني الأسبق علي عبد الله صالح وجماعة الحوثي المنقلبة على الشرعية اليمنية بدعم وتمويل إيراني، في منجز دبلوماسي فريد، إضافة إلى جهودها المستمرة في دعم مراحل الحل السياسي في اليمن عبر اجتماعات جنيف التي ترعاها الأمم المتحدة ودفع الانقلابيين إلى ترك السلاح والجلوس على طاولة الحوار.
من أوجه التحول في سياسة السعودية، برزت تحركات كبيرة لإعادة صياغة تحالفات المملكة مع القوى العالمية، وخلق توازن جديد، يتناسب مع حجم وحساسية القضايا والملفات السياسية المتعثرة في العالمين العربي والإسلامي، تكشّف ذلك في حضور ومشاركة الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند في اجتماع القمة الخليجية في الرياض منتصف مايو 2015، ورفع مستوى الشراكة الإستراتيجية بين السعودية وفرنسا بمختلف جوانبها.
وتبع تأسيس الشراكة الإستراتيجية مع فرنسا، شراكة إستراتيجية جديدة للقرن الحادي والعشرين مع الولايات المتحدة الأمريكية، أعلنت في لقاء جمع الملك سلمان والرئيس الأمريكي باراك أوباما في البيت الأبيض سبتمبر 2015، ولم تتوقف العاصفة الدبلوماسية عند هذا الحد، بل امتدت شمالا إلى روسيا الاتحادية، لتنويع الحلفاء، وتقريب الرؤى السياسية، في زيارة رسمية لولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان أكتوبر الماضي إلى موسكو شهدت توقيع اتفاقات اقتصادية وعسكرية و"نووية سلمية" بحضور الرئيس الروسي فلاديمير بوتن.
في خضم الحراك السياسي والعسكري في المنطقة، سعت السعودية في مؤتمر القمة العربية السادسة والعشرين في شرم الشيخ إبريل الماضي، إلى وضع نواة تأسيس القوات العربية المشتركة بمباركة أغلبية قادة العرب، وتوالت اجتماعات قادة أركان الجيوش العربية لاحقًا لوضع الآلية التنفيذية لهذه القوة المشتركة ونطاق صلاحياتها، كقوة عربية في وجه أي تمدد أو تخريب خارجي.
وقد شهد العام الفائت، تحركات حثيثة للدبلوماسية السعودية، في رأب الصدع العربي والإسلامي، عبر دفع الأطراف المتنازعة في دول عدة إلى الحل السياسي والسلمي، بدءًا بتكثيف دعم المعارضة السورية السياسية والعسكرية المعتدلة وجمع ممثلين لكافة أطيافها تحت قبة واحدة في الرياض ودعم اجتماعاتها في فيينا، تمهيدًا للوصول إلى تسوية مع النظام السوري، ووضع حد عاجل لأزمة الشعب السوري.
وواصلت جهودها أيضا، في إحياء العلاقات الدبلوماسية مع العراق وإعادة السفير السعودي في بغداد بعد 25 عامًا من ضمور العلاقة، ودعم الحلول السياسية في الدول العربية التي عانت من مضاعفات ما سمي بـ"الربيع العربي"، بما فيها الأزمة التونسية واتفاق الصخيرات بشأن التسوية السياسية الليبية، كذلك تنشيط علاقات المملكة الثنائية مع دول القارة الإفريقية، ودول وسط وشرق أسيا، إضافة إلى دول أمريكا اللاتينية، في تحول واضح وانفتاح وشفافية عالية في السياسة السعودية الخارجية.
وقد ذهبت سياسة المملكة خارجيا، إلى أبعد من ذلك، في إعلان تشكيل التحالف الإسلامي العسكري الأضخم في التاريخ لمحاربة الإرهاب في الدول الإسلامية والقضاء على الجماعات المسلحة أيا كان مذهبها ونهجها، ضم ما يزيد عن 34 دولة عربية وإسلامية، تتخذ مركز عمليات مشترك مقره العاصمة الرياض، تجسيدا حيا لرؤية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز السياسية ودور ومسؤولية المملكة تجاه الأمتين العربية والإسلامية وقضاياها.
aXA6IDMuMTQ3LjYwLjYyIA== جزيرة ام اند امز