الأسير يمتنع عن تناول جميع أصناف وأشكال المواد الغذائية الموجودة في متناول الأسرى باستثناء الماء وقليل من الملح.
يتابع الأسير المحرر عبد الناصر فروانة -بقلق متزايد- التطورات المتعلقة بالإضراب عن الطعام الذي يخوضه ثلاثة أسرى فلسطينيين في سجون الاحتلال، منذ أكثر من 50 يومًا بشكل متواصل؛ في ظل تدهور حالتهم الصحية، ويستذكر هذه التجربة القاسية التي سبق أن خاضها خلال تعرضه للأسر.
ويقول فروانة الذي يرأس وحدة الدراسات والتوثيق في هيئة شؤون الأسرى، لـ"بوابة العين"، إن الإضراب عن الطعام بالنسبة للأسرى، ليس مجرد ترف نضالي أو تسجيل مواقف، بل هو معركة وملحمة حقيقية يخوضها الأسير ومجموع الأسرى؛ تعبيرًا عن قيم وأخلاق المقاومة المشروعة وحقهم في الوجود، ودفاعًا عن كرامتهم وإنسانيتهم، وتثبيت حقوقهم المكتسبة، وانتزاع الحقوق المسلوبة.
والإضراب يتمثَّل في امتناع الأسير عن تناول جميع أصناف وأشكال المواد الغذائية الموجودة في متناول الأسرى باستثناء الماء وقليل من الملح، ويبدأ بإضراب لمدة يوم، وقد يتطور لإضراب مفتوح لحين تحقيق المطالب.
شهداء الإضرابات:
ويوضح فروانة أن الإضراب ليس مسألة سهلة، لذلك نادرًا ما يلجأ إليها الأسرى؛ "إذ إنها تعد الخطوة الأخطر والأقسى التي يلجأ إليها المعتقلون لما يترتب عليها من مخاطر كبيرة جسدية ونفسية على الأسرى وصلت في بعض الأحيان إلى استشهاد عدد منهم".
وأشار إلى أن الأسرى خاضوا عشرات الإضرابات الجماعية والفردية منذ عام 1968، فيما كان الإضراب الذي شكل انعطافة حادة هو إضراب 1970 في سجن عسقلان الذي استشهد خلاله عبد القادر أبو الفحم (أول شهداء الحركة الأسيرة). ثم بدأت تتسع فكرة الاضراب وتأخذ منحى أكثر تحضيرات ومدة زمنية.
ولم يكن أبو الفحم الذي استشهد بتاريخ 11/7/1970، خلال إضراب سجن عسقلان (استمر 45 يومًا وحقق الأسرى من ورائه الكثير من مطالبهم)، آخر شهداء الحركة الأسيرة ، فتلاه كل من راسم حلاوة وعلي الجعفري اللذين استشهدا بتاريخ 24/7/1980 خلال إضراب سجن نفحة، والشهيد محمود فريتخ الذي استشهد على إثر إضراب سجن جنيد عام 1984، والشهيد حسين نمر عبيدات والذي استشهد بتاريخ 14/10/1992 في إضراب سجن عسقلان، بحسب فروانة.
حالة الأسرى المضربين حاليًّا:
وتدهورت الحالة الصحية للصحفي الأسير محمد القيق، الذي دخل إضرابه عن الطعام يومه الثالث والخمسين، وسط تحذيرات من عائلته والمحامين الذين زاروه من وجود خطر حقيقي على حياته بعد تغذيته القسرية من سجانيه كأول أسير يتم تطبيق التغذية القسرية عليه.
وكما القيق يخوض ثلاثة أسرى آخرين إضرابًّا عن الطعام؛ فالأسير الأردني عبد الله أبو جابر، دخل إضرابه يومه السابع والستين (كان علقه لبعض الوقت واستأنفه مجددًا بعد تراجع الاحتلال عن الاستجابة لمطالبه)، وكذلك يخوض الأسير حسن شوكة إضرابًا مستمرًا لليوم الخامس والثلاثين على التوالي.
الإضرابات الفردية:
ويشير فروانة، إلى أن الإضرابات الفردية بدأت تنتشر في السجون الإسرائيلية، يسعى من خلالاها الأسرى لتحقيق مطالب تتعلق بحق الزيارات، وانهاء العزل الانفرادي، وهو إضراب في الغالب يحقق هدفه.
ودشَّن الشيخ خضر عدنان في ديسمبر 2011 ، الإضرابات الفردية، واستمر أكثر من 65 يومًا، رفضًا لسياسة الاعتقال الإداري، فيما حقق بعض الأسرى ما يمكن اعتباره معجزات من خلال الإضرابات الفردية، حيث أضرب الأسير سامر العيساوي وأيمن الشراونة، ما يقارب من 260 يومًا احتجاجًا على إعادة اعتقاله عام 2012 بعد الإفراج عنه في صفقة شاليط، حيث أفرج عن الأول وأعيد اعتقاله لاحقًا، فيما أبعد الثاني إلى غزة.
عوامل نجاح الإضرابات:
ونجاح الإضراب يرجع لعوامل مساعدة تتعلق بالإسناد الجماهيري خارج السجون، وتضامن الأسرى داخل السجون.
ويؤكد مدير مركز الأسرى للدراسات، رأفت حمدونة، أن الإضراب الذي يطلق عليه "معركة الأمعاء الخاوية" "يُعد الخطوة الأخطر والأقسى التي يلجأ إليها المعتقلون لما يترتب عليها من مخاطر جسدية ونفسية.
وأشار حمدونة في حديثه لـ"بوابة العين"، إلى أن الأسرى يلجؤون إلى هذه الخطوة بعد "نفاد الخطوات النضالية التكتيكية الأخرى كافة، وعدم الاستجابة لمطالبهم عبر الحوار المفتوح مع سجانيهم، واللجنة النضالية".
وشدد على أن الإضراب المفتوح عن الطعام ، "وسيلة لتحقيق هدف وليس غاية بحد ذاتها، كما يعد أكثر الأساليب النضالية السلمية وأهمها، من حيث الفعالية والتأثير على إدارة المعتقلات والسلطات والرأي العام لتحقيق مطالبهم.
ولفت إلى أن الإضراب الناجح يجري الإعداد له والتنسيق، ويجري وفق خطة معدة وتكون له قيادة، ومنسق بين الفصائل المختلفة.
معركة مستمرة:
ويشير فروانة إلى أن الأسرى حققوا بالإضرابات الكثير من المطالب، وبعضها مستمر حتى اليوم، فيما تقدم قوات الاحتلال بين الحين والآخر باستغلال الظروف، لانتزاع ما حققه الأسرى في إضرابات سابقة، وهكذا تبقى المعركة مستمرة.
وتنظر إسرائيل بخطورة بالغة للإضراب وتسعى لإفشالها بقوة، من خلال قمع الأسرى وعزل قياداتهم المؤثرة.
وقال فروانة: "مصلحة السجون الإسرائيلية ترى في الإضرابات تحديًا لها وشكلًا من أشكال المقاومة، لذلك تسعى لإفشال الإضرابات وتتفنن في اجراءاتها القمعية ضد المضرب".
ويؤكد فروانة ولسان حاله حال الأسرى أن الإضراب هو معركة حياة بكرامة أو موت بشهادة مشرفة، يخوضها الأسرى بجوعهم ولحمهم حيث يتسبب الإضراب بإنقاص وزنهم بشكل خطير، ويؤثر على أعضائهم الداخلية، في وجه سجان ظالم لا يرحم.
aXA6IDMuMTQ0LjEwNi4yMDcg جزيرة ام اند امز