5 خطوات تبرز "انتقالا سلسا" للحكم بسلطنة عمان
عمان شهدت انتقالا سلسا للسلطة عبر 5 مراحل، قدم فيها العمانيون صورة حضارية للعالم حول قيم الوفاء للسلطان الراحل والولاء للسلطان الجديد
ساعات معدودة فصلت بين الإعلان عن وفاة قابوس بن سعيد سلطان عمان، الذي وافته المنية ليل الجمعة، والإعلان عن هيثم بن طارق سلطانا جديدا للبلاد، مع إشراقة شمس اليوم السبت.
وشهدت سلطنة عمان انتقالا سلسا للسلطة عبر 5 مراحل، تفوق فيها العمانيون على أنفسهم، وقدموا صورة حضارية للعالم حول قيم الوفاء للسلطان الراحل والولاء للسلطان الجديد.
إعلان الوفاة
تمثلت أولى الخطوات في أصدر ديوان البلاط السلطاني فجر السبت، بيانا نعى فيه السلطان قابوس بن سعيد، الذي وافته المنية مساء الجمعة، عن عمر يناهز 79 عاما.
وأعلن الديوان الحداد وتعطيل العمل الرسمي للقطاعين العام والخاص لمدة 3 أيام، وتنكيس الأعلام في الأيام الأربعين القادمة.
دعوة مجلس الدفاع
ثم جاءت الخطوة الثانية عقب الإعلان عن وفاة السلطان قابوس، وذلك بدعوة مجلس الدفاع العماني لمجلس العائلة المالكة للانعقاد لتحديد من تنتقل إليه ولاية الحكم، تنفيذا للمادة السادسة من النظام الأساسي للدولة.
وتنص المادة السادسة على أنه "يقوم مجلـس العائلة المالكة، خلال 3 أيام من شغور منصب السلطان، بتحديد من تـنتـقل إليه ولاية الحكم. فإذا لم يتـفق مجلس العائلة المالكة على اختيار سلطـان للبلاد قام مجلس الدفاع بالاشتراك مع رئيسي مجلس الدولة ومجلس الشورى ورئيس المحكمة العليا وأقدم اثنين من نوابه بتثبيت من أشار به السلطان فـي رسالته إلى مجلس العائلة".
وقال المجلس في بيان أصدره: "أمام هذه اللحظة التاريخية من عمر عمان وعمق الأسى لهذا الحدث الجلل، واستنادًا لما نصت عليه المادة /6/ السادسة من النظام الأساسي للدولة الصادر بالمرسوم السلطاني رقم (101 / 96 / وتعديلاته فقد انعقد مجلس الدفاع برئاسة الفريق أول سلطان بن محمد النعماني وزير المكتب السلطاني رئيس مجلس الدفاع بالإنابة وبحضور جميع أعضائه.
وبين أنه تنفيذًا للمادة (2 / أ) من المرسوم السلطاني رقم (105 / 96) في شأن مجلس الدفاع، فقد قام مجلس الدفاع بدعوة مجلس العائلة المالكة للانعقاد لتحديد من تنتقل إليه ولاية الحكم، وسيظل مجلس الدفاع في حالة انعقاد.
تنفيذ الوصية وتنصيب هيثم بن طارق سلطانا
وفي خطوة حكيمة من مجلس العائلة المالكة، تعكس التعاضد بين أفراده، والوفاء لسلطان البلاد الراحل، وإدراكهم حجم المسؤولية الملقاة على عاتقهم، لم يكمل المجلس الأيام الثلاثة الواردة في المادة السادسة، فقد انعقد المجلس وقرر تثبيت من أوصى به السلطان قابوس في وصيته، "عرفانًا وامتنانًا وتقديرًا للمغفور له السلطان قابوس بن سعيد".
وأوكل مجلس العائلة المالكة لمجلس الدفاع القيام بفتح الوصية وفقًا لما نصت عليه المادة (6) السادسة من النظام الأساسي للدولة، واتخاذ الإجراءات لتثبيت من أوصى به السلطان بالتنسيق مع مجلس العائلة المالكة.
وبالفعل عقدت جلسة فتح الوصية بحضور مجلس الدفاع وعلى رأسه الفريق أول سلطان بن محمد النعماني وزیر المكتب السلطاني رئيس مجلس الدفاع بالإنابة، والدكتور يحيى بن محفوظ المنذري رئيس مجلس الدولة، وخالد بن هلال المعولي رئيس مجلس الشورى، والشيخ الدكتور إسحاق بن أحمد البوسعيدي رئيس المحكمة العليا، وأقدم اثنين من نوابه، وبحضور أفراد العائلة المالكة، شهودًا على الإجراءات.
وقام مجلس الدفاع بفتح الوصية وقراءتها بشكل مباشر على جميع الحاضرين، والإعلان بأن هيثم بن طارق بن تيمور هو سلطان عمان.
تشييع السلطان قابوس
ومع إشراقة شمس السبت، وقبل أن يوارى السلطان قابوس الثرى، كان اختيار السلطان الجديد قد تم بكل سلاسة، وكان أول نشاط له المشاركة في تشييع السلطان قابوس.
وشيع أبناء السلطنة، يتقدمهم السلطان الجديد هيثم بن طارق، السلطان الراحل قابوس بن سعيد بن تيمور بمقبرة العائلة بولاية بوشر بمحافظة مسقط.
وخرج موكب الجنازة من قصر بيت البركة إلى جامع السلطان قابوس الأكبر مرورا بشارع السلطان قابوس حيث اصطف المواطنون وأفراد القوات المسلحة على جانبي الطريق.
وقد أقيمت صلاة الجنازة بجامع السلطان قابوس الأكبر حيث لُفّ جثمان السلطان قابوس بعلم السلطنة وأمّ المصلين الشيخ أحمد بن حمد الخليلي المفتي العام للسلطنة.
وقد ودع أبناء الوطن قائد مسيرتهم التي امتدت نحو نصف قرن مليئة بالإنجازات في شتى المجالات تم خلالها ترسيخ دعائم الأمن والاستقرار وبناء الدولة الحديثة.
أداء اليمين وأول خطاب
وإيذانا بتنصيبه رسميا، أدى السلطان هيثم بن طارق بن تيمور، اليمين الدستورية في جلسة مشتركة لمجلسي عُمان والدفاع تنفيذا لأحكام المادة السابعة من النظام الأساسي للدولة.
وتلا السلطان هيثم بن طارق اليمين ونصه: "أقسم بالله العظيم أن أحترم النظام الأساسي للدولة والقوانين وأن أرعى مصالح المواطنين وحرياتهم رعاية كاملة وأن أحافظ على استقلال الوطن وسلامة أراضيه".
وألقى السلطان هيثم بن طارق كلمة عقب أدائه اليمين، تعهد فيها بـ"السير على نهج السلطان قابوس والتأسي بخطاه (...) والحفاظ على ما أنجزه والبناء عليه".
وقال إنه: "على الصعيد الخارجي فإننا سوف نترسّم خطى السلطان الراحل مؤكدين على الثوابت التي اختطها لسياسة بلادنا الخارجية القائمة على التعايش السلمي بين الأمم والشعوب، وحسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للغير واحترام سيادة الدول وعلى التعاون الدولي في مختلف المجالات".
وأردف: "كما سنبقى كما عهدنا العالم في عهد المغفور له السلطان قابوس بن سعيد بن تيمور، داعين ومساهمين في حل الخلافات بالطرق السلمية وباذلين الجهد لإيجاد حلول مرضية لها بروح من الوفاق والتفاهم".
وأوضح أنه سيواصل "مع الأشقاء قادة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، الإسهام في دفع مسيرة التعاون بين دولنا لتحقيق أماني شعوبنا ولدفع منجزات مجلس التعاون قدما إلى الأمام."
وفي الشأن العربي، قال السلطان العماني الجديد "سوف نستمر في دعم جامعة الدول العربية وسنتعاون مع أشقائنا زعماء الدول العربية لتحقيق أهداف جامعة الدول العربية والرقي بحياة مواطنينا، والنأي بهذه المنطقة عن الصراعات والخلافات والعمل على تحقيق تكامل اقتصادي يخدم تطلعات الشعوب العربية".
وكشف عن أن "عُمان ستواصل دورها كعضو فاعل في منظمة الأمم المتحدة، تحترم ميثاقها وتعمل مع الدول الأعضاء على تحقيق السلم والأمن الدوليين".
وبذلك يكون السلطان هيثم بن طارق هو أول سلطان في تاريخ البلاد يتم اختياره وفقا للإجراءات التي أقرها النظام الأساسي للدولة الصادر عام 1996.
والسلطان هيثم بن طارق هو التاسع لعمان في التسلسل المباشر لأسرة آل بوسعيد التي تأسست على يد الإمام أحمد بن سعيد في عام 1741.
وتدرج في العديد من المناصب، في مجالات الثقافة والرياضة والدبلوماسية والاقتصاد، الأمر الذي كون لديه خبرة كبيرة، يتوقع أن تعينه على إدارة شئون البلاد في تلك المرحلة المهمة من تاريخها.
وشغل هيثم بن طارق منصب وزير التراث والثقافة العماني منذ عام 2002، كما شغل العديد من المناصب في وزارة الخارجية العمانية، منها: الأمين العام للوزارة خلال الفترة من (1994-2002)، ووكيل الوزارة للشؤون السياسية (1986-1994).
وكان هيثم أحد المقربين من السلطان قابوس ومصدر ثقته؛ لذا عمل في بعض الأحيان مبعوثاً خاصاً للسلطان الراحل قابوس بن سعيد.
أيضا رأَس "لجنة الرؤى المستقبلية" التي تولت مسؤولية التخطيط لمستقبل سلطنة عمان حتى عام 2040.