جعجع ينقلب على حلفائه طمعًا في قيادة الشارع المسيحي بلبنان
مضى رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع في شعاره "حيث لا يجرؤ الآخرون" إلى ضفته القصوى، ورشّح العماد ميشال عون للرئاسة اللبنانية.
مضى رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع في شعاره "حيث لا يجرؤ الآخرون" إلى ضفته القصوى، حينما أقدم على "عمل انتحاري" في رأي حلفائه، و"انتصار تاريخي" في نظر خصوم الأمس، أصدقاء اليوم الذين خاض معهم "الحكيم" حروباً ضارية، على الأرض، وفي منابر السياسة.
فعلها سمير جعجع، "حيث لا يجرؤ الآخرون" ورشّح العماد ميشال عون إلى رئاسة الجمهورية، مديراً ظهره للتيار العريض الذي احتضنه، وغفر أخطاءه القاتلة، فيما ينظر محللون إلى ما حدث باعتباره "مناورة".
ما جرى في "معراب" اللبنانية، برعاية البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي، خلط الأوراق السياسية، وأعاد تنظيم الانقسامات على وقع الاستحقاق الرئاسي المقبل، الذي رفعه جعجع إلى ذروته.
ويتردد سؤال عن الجهة أو الجهات المحلية أو الإقليمية، أو ربما، الدولية، التي شحنت جعجع وحقنته بـ"الشجاعة" لاتخاذ مثل هذا القرار الذي برره زعيم حزب "القوات اللبنانية" في خطابه، بخشيته على الدولة اللبنانية من "استحكام الفراغ" واستفحال "الشلل شبه التام" الذي ضرب مؤسساتها الدستورية كافة، من دون أن يقلب ظهر المجن لحاضنته السابقة المتمثلة في قوى 14 آذار التي قال: إن خطابه "يترجم عناوين مهمة من مشروع 14 آذار، ويتلاءم معها، على خلفية الواقعية السياسية، واعتماد أفضل الحلول المتاحة".
خطاب جعجع، الذي قوبل بتصفيق حاد من قبل أنصاره وحلفائه الجدد، قال كل شيء، لكنّه لم يفصح عن الدوافع الحقيقية التي أحدثت هذه الاستدارة، فقلبت كما ذكرت صحف "طاولة التحالفات اللبنانية"، وجعلت من الضروري طرح سؤال الربح والخسارة من هذه الصفقة، فهل يبدو الرئيس سعد الحريري الخاسر الأول الذي كما قالت صحف "خسر جعجع ولم يربح سليمان فرنجية؟".
المحلل السياسي محمد قواص، وفي مقاربته لهذا السؤال الذي طرحته عليه "بوابة العين"، قال إنّ "حلفاء سمير جعجع لا يستطيعون أن يدعوا أنه فاجأهم بترشيحه ميشال عون"، مضيفا "فالرجل أعرب عن سخطه جراء ترشيح حليفه سعد الحريري لخصمه سليمان فرنجية، وبالتالي وجد نفسه متحرراً من التزامات التحالف، ما يمكنّه من ترشيح عون، بصفته الأكثر تمثيلاً للمسيحيين داخل معسكر ٨ آذار، طالما أن المنافسة تجري بين قطبي هذا التحالف".
وفي التفاهمات التي وصل إليها عون وجعجع ما يؤكد تمسّك الأخير بثوابت تحالف ١٤ آذار السيادية، ما يجعل من ترشيحه لعون مشروعاً يدعو الحلفاء لدعمه، وفق قواص، الذي يعتقد أنّ "مناورة جعجع تضع الكرة في ملعب حزب الله وإيران من ورائه".
ويتابع المحلل السياسي: "سيكون على إيران الاستمرار في دعم ترشيح ميشال عون، وفق ما يدّعيه حزب الله، على الرغم من أن عون بات مرشحاً من قبل جعجع حليف السعودية"، موضحاً أنه "ستكون مفارقة سريالية هذه الأيام أن تتقاطع رؤى الرياض وطهران في بيروت حول شخص رئيس الجمهورية في لبنان، ولأن منطق الأمور لا يسمح بذلك، فإن حرجاً يصيب طهران وحزب الله هذه الساعات، فيما تبدو الرياض متحررة من أي حرج في هذا الصدد".
وفي نظر قواص، فإنّ مناورة سمير جعجع التي لا تعني ترشيحه لعون ترئيساً له "ستكشف النقاب عن نوايا حزب الله إزاء، ليس مسألة اسم الرئيس فقط، بل مبدأ انتخاب رئيس، ذلك أن الحزب يفضّل استمرار الفراغ حتى تنضج "الطبخة" السورية، لأنّ شراء مزيد من الوقت سيمكّنه من فرض رغبته في تغيير النظام اللبناني، على ما طالب به سابقاً عبر الدعوة إلى مؤتمر تأسيسي".
ترشيح جعجع لعون أعاد دفة الرئاسة إلى يد المسيحيين، بحيث لم يعد باستطاعة القوى السياسية السنّية والشيعية الادعاء بأنّ تقاعسها عائد إلى عدم توافق المسيحيين على مرشح للرئاسة، حيث بدا جعجع وعون هذه المرة أنهما متحالفان، "كل من جهته، مع تيار المستقبل وحزب الله، وليسا تابعين لهما"، ما سيبدّل، بحسب قواص، من نوعية التحالفين ويمنح جعجع وعون، كلاً في معسكره، "استقواءً متبادلاً".
مصادر مقربة من الدوائر الإعلامية لـ "حزب الله" تُقارب ما جرى من زاوية مختلفة، إذ تزعم أنّ جعجع أدرك "بوضوح سقوط الرهان على إطاحة الرئيس السوري بشار الأسد"، فضلاً عن "الحضور الروسي المباشر في سوريا، والاتفاق النووي بين أمريكا وحلفائها من جهة، وبين إيران من الجهة الأخرى".
ويرى رئيس حزب القوات أن خطوة ترشيحه عون إلى الرئاسة ستمنحه، بحسب تلك المصادر، حضوراً كبيراً في "البيئة المسيحية"، وتنزع عنه "الصفات السيئة التي ورثها من تجربته في الحرب الأهلية"، كما أنها ستحوّل التحالف بين القوات والتيار الوطني الحر جعجع من "ملحقٍ" بتيار المستقبل، إلى حاجة للحريري، وبالتالي تتوقع تلك المصادر أن يفوز هذا التحالف بغالبية المقاعد المسيحية، "حتى ولو أجريت الانتخابات وفق أسوأ قانون انتخابي (قانون الستين مثلاً)".
وفي التفاعلات التي تبعت لقاء "معراب"، فإنّ التكهنات تشير إلى إعادة مرتقبة لصياغة تحالفات جديدة، أو تمتين التحالفات القديمة، وهذا يعتمد على ما يسفر عنه الموقف النهائي لتيار المستقبل وقوى 14 آذار، بالإضافة إلى موقف وليد جنبلاط الذي يدرس، بأناة، ارتدادات خطوة جعجع، وكذلك موقف رئيس مجلس النواب نبيه بري، الذي ذكرت أوساط مقربة منه أنّ اتفاق عون وجعجع، جعل الأخير "زعيماً للمسيحيين"، مشدّدة على تمسكها بخيار 14 آذار بتسمية فرنجية مرشحاً رئاسياً، مع أنّ فريقاً من 8 آذار راح يذكّر بالتعهد الذي قطعه سعد الحريري عندما التقى عون، بأن تيار الأول سيدعم الثاني في حال حاز على دعم الأكثرية المسيحية.
الأيام المقبلة حبلى بالمفاجآت، فكل فريق من الفرقاء لديه أوراقه السياسية الضاغطة، ولدى الجمهور اللبناني حيثياته أيضاً، وكذلك اعتباراته المصلحية من الاتفاق العوني – القواتي، إذ كتب أحد المعلقين على صفحة سمير جعجع على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" أن ترشيح عون، "وكسب الجمهورية اللبنانية" خير من تقديمها "على طبق من فضة للولي الفقيه".
aXA6IDMuMTQ1LjgxLjI1MiA= جزيرة ام اند امز