دعوني بداية أقول إن أهم ما لفت نظري في فيلم "١٣ساعة " لم يكن ما جاء فيه، بل ما لم يتضمنه.
دعوني بداية أقول إن أهم ما لفت نظري في فيلم "١٣ ساعة" لم يكن ما جاء فيه، بل ما لم يتضمنه. فهو يتناول الهجوم ضد القنصلية الأمريكية في بنغازي من قبل مسلحين متطرفين في ١١ سبتمبر عام ٢٠١٢، وهو ما أسفر عن مصرع أربعة أمريكيين من بينهم السفير كريستوفر ستيفنز.
وقد توقعت صورة أخرى من فيلم "قناص أمريكي" الذي يقدم صورة مشوّهة للمعركة "بيننا وبينهم"، بين الخير الذي هو القناص الأمريكي وبين الشر مجسدا في الآخرين أيا كانوا في العراق بما في ذلك النساء والأطفال الذين كانوا يهددون الجنود الأمريكيين وبالتالي يستحقون القتل على يد رامبو الأمريكي الذي لم يكن يمكنه إلا أن يستهدفهم ببندقيته الجبارة أداءً لواجبه وحفاظا على حياة رفاقه من الجنود الأمريكيين.
أما فيلم ١٣ ساعة فلم يركز على هذه المسألة، أو لنكون أكثر دقة لم تكن بنفس الوضوح، لكن بالطبع كانت هناك المشاهد (إياها) التي لا بد منها وأصبحت كليشيهات ثابتة في أفلام هوليوود.
فالأذان يرتفع ومعه موسيقى تصويرية متصاعدة للتهديد القادم. ثم تظهر بعض مشاهد الصلاة قبيل بدء الهجوم على القنصلية الأمريكية. أما التركيز الأساسي للفيلم فكان على بطولة فريق الحراسة لحماية موقع وكالة الاستخبارات الأمريكية سي آي إيه الذين تم استئجار خدماتهم لهذا الهدف. لكن الفيلم في سبيل ذلك ركز على فشل عناصر أخرى خاصة مدير مقر الوكالة الذي ظهر في مشهد وهو يعطي أوامر للحراس بعدم الذهاب إلى القنصلية التي تتعرض للهجوم على مسافة نحو كيلو متر منهم واستجابوا لأوامره لمدة عشرين دقيقة حاسمة إلى أن قرروا الانطلاق إلى القنصلية مخالفة لأوامره. المهم هنا هو أن مدير الموقع الذي يُرمز إليه باسم بوب نفى في حوار مع صحيفة واشنطن بوست أن يكون أصدر أية أوامر من هذا النوع أو حتى ما يمكن تفسيره بهذا الشكل. كذلك فإن لجنة التحقيق التابعة للكونجرس توصلت إلى عدم صدور مثل هذا الأمر من رجل السي آي إيه المتقاعد الآن. لكن الفيلم الذي استند إلى كتاب بنفس الاسم اعتمد على رواية ثلاثة من هؤلاء الحراس الناجين الذين أجرت معهم شبكة فوكس نيوز مقابلة مطولة منذ أيام أكدوا فيها صدور تلك الأوامر لهم، وأنهم خالفوها من أجل إنقاذ زملائهم والمدنيين الأمريكيين في القنصلية.
لكن بصرف النظر عن الحقيقة في هذا الأمر فإن الواضح تماما هو محاولة القوى المحافظة والجمهوريين تحديدا استخدام الفيلم لأهداف سياسية. فقد كان مناسبة لإحياء اتهاماتهم لوزيرة الخارجية في ذلك الوقت هيلاري كلينتون بأنها تتحمل المسئولية عما جرى، مع عودة الحديث عن استخدامها للإيميل الخاص بها في تبادل معلومات سرية حول الموضوع، واستضافة أهالي القتلى من الأمريكيين في وسائل الإعلام اليمينية لاتهام هيلاري بأنها كذبت عليهم في لقاءاتها بهم حيث أبلغتهم بأن الهجوم كان عشوائيا بسبب فيلم مسيء للرسول (ص) بينما كانت تقول في إيميلاتها الخاصة إنه هجوم إرهابي مخطط من قبل إسلاميين متطرفين وهو اتهام تنفيه هيلاري. الغريب أن الفيلم لم يتناول هذه المسائل على الإطلاق، وذكر مخرجه مايكل بي أنه كان حريصا على عدم تسييس ما حدث مع أو ضد إدارة أوباما، وإن كانت هناك إشارات في كلام أبطال الفيلم عن أنهم ذهبوا إلى بلاد لا يعرفونها لأسباب غير مفهومة. لكن الجمهوريين ـ الذين خسروا معركتهم الكبرى مع هيلاري منذ أشهر في جلسة استماع بالكونجرس حول الموضوع استمرت ١١ ساعة ـ حاولوا الاستفادة من الفيلم لتعويض ما خسروه وإحياء القضية. وشاهدت على شبكة فوكس نيوز اليمينية لقاءات مع بعض المواطنين يسألونهم بشكل مباشر إن كان يمكن أن يصوّتوا لصالح هيلاري كلينتون بعد مشاهدة الفيلم، وكانت إجابتهم جميعا "لا" رغم أنه من الطبيعي ألا يعتمد تصويت ناخب على فيلم درامي يشكك الكثيرون في مصداقية أحداثه في كل الأحوال.
بقي أمر آخر مثير للتساؤل: فالفيلم الذين ذكر في مقدمته أنه يستند إلى قصة حقيقية رغم ما أثير حول صدقها من شكوك وتساؤلات، لم يشر من قريب أو بعيد إلى أن المشتبه الأول في مسئوليته عن هجوم بنغازي أحمد أبو ختالة قد اعتقلته القوات الأمريكية وعملاء السي آي إيه بالفعل منذ عام ونصف في عملية استخباراتية لم تطلق فيها رصاصة واحدة، رغم أن الفيلم حرص في نهايته على وضع صور الحراس الحقيقيين الذين تتناولهم الأحداث وذكر ما يفعلونه الآن. ولا يوجد ما يبرر ذلك في فيلم يريد أن يظهر البطولات الأمريكية في المعركة مع الإرهابيين، إلا أنه ربما وجد في تلك الإشارة ما يخالف رسالته ضد وكالة الاستخبارات الأمريكية.
لكن الوكالة الأمريكية ليست أكثر المتضررين، فهي لن تدخل انتخابات رئاسية هذا العام بحيث يتم استخدام الفيلم ضدها، لذلك لم تبال كثيرا بالدفاع عن نفسها باستثناء إشارة المتحدث باسمها إلى وجود الحقائق في تقرير لجنة تحقيق الكونجرس. أما هيلاري فإنها تمر بالفعل بظروف صعبة في الانتخابات التمهيدية وآخر ما تريده هو شوشرة من هذا النوع يتم تسييسها ضدها الآن أو في الانتخابات العامة في نوفمبر القادم.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة