«مفيش فايدة.. طيب فين البديل.. هو فيه حد ينفع من الموجودين.. فيه حد ممكن يسيطر على البلد لو مشى الراجل ده؟»
«مفيش فايدة.. طيب فين البديل.. هو فيه حد ينفع من الموجودين.. فيه حد ممكن يسيطر على البلد لو مشى الراجل ده؟»، كان تكرار تلك العبارات جزءا من خطة «تيئييس» المصريين، حتى يستمر «المخلوع» مبارك على قمة السلطة دون أن ينازعه فيها أحد.
أجهزة «المخلوع» رسمت ونفذت خطة قتل حلم التغيير، «احمدوا ربنا إنكم عايشين»، تخويف الشعب من البديل المجهول، جعله «كافى خيره شره وماشى جوه الحيط».
لأكثر من ربع قرن، فريق مبارك القديم كان حريصا على التوازنات، عرفوا «من أين تؤكل الكتف»، سلموا مفاتيح «دكاكين» المعارضة المدنية لرجل «الغرف المغلقة» صفوت الشريف، وأسندوا إدارة ملف الجماعة «الربانية» لـ«أمن الدولة».. «الكل بيرزق.. اللحم لرجالهم والشغت للجماعة والعضم لأحزاب الكرتون».
فى السنوات الأخيرة قبل سقوطه، غير النظام جلده واستبدل «حرامية الغسيل» الذين توقف فسادهم عند حدود رشاوى التعيين و«تخليص» تراخيص المبانى، بـ«بارونات هبش الدولة»، تعامل جمال مباك مع مصر باعتبارها إقطاعية يوزعها على رجاله، دمروا المصانع، ليعيدوا شراءها «خسرانة» بالبخس، وضعوا ايديهم على اراضى الاستصلاح ليقيموا عليها مشروعات اسكان وسياحة.. الفساد تجاوز «الركب» وغطى الرءوس.
بالتوازى حاصرت الأجهزة «دكاكين المعارضة» داخل مقراتها، وأعطت الإشارة لرجالها بالإعلام لتنهش أعراض كل من يطرح اسمه كبديل محتمل للنظام الساقط، أجريت آخر انتخابات برلمانية، على تربيزة «رولت» مغشوشة، فخرج المجلس ولأول مرة منذ زمن بعيد بلا معارضة تقريبا، «لا شغت ولا حتى عضم».
وفى سبيل تمرير مشروع «التوريث»، سلم رجال الابن داخلية «حبيبهم العادلى» زمام الدولة، فداست على كرامة المواطن من باب «اضرب المربوط يخاف السايب»، وتحولت أقسام الشرطة إلى «سلخانات.. الداخل مفقود والخارج مولود»، ألقوا ناصر جاد من شرفة منزله فى العمرانية أمام أولاده وزوجته ليسقط قتيلا، وسحلوا ناصر عبدالله فى تلبانة بالمنصورة حتى لفظ أنفاسه الأخيرة، وضربوا خالد سعيد حتى الموت فى الإسكندرية.
طفح الكيل ولم يعد ينطلى على الشعب حيلة «مفيش بديل.. والراجل ده أحسن من المجهول»، بعدما «عامت الشلة على وش الفتة وغرق الشعب فى الفقر».. سقطت مع الوقت فكرة الإصلاح من الداخل، وسيطر حلم التغيير على جيل لم ير فى حياته رئيسا سوى مبارك، الذى بدأ فى لملمة أوراقه ليسلم إدارة العزبة لابنه.
«بسم الله الرحمن الرحيم.. الإجابة تونس»، رياح التغيير هبت من الغرب، البشارة جاءت من التوانسة.. بداية من «الشعب يريد إسقاط النظام»، وصولا إلى «يا توانسة يلى عذبوكم، يلى قهروكم، يلى سرقوكم، تنفسوا الحرية، شعب تونس هدالنا الحرية، تحيا تونس العظيمة، المجد للشهداء، يا توانسة ما عادش خوف، المجرم هرب.. بن على هرب».
«قالك مصر مش تونس!»، فهز هتاف «الشعب يريد إسقاط النظام.. عيش حرية عدالة اجتماعية» أركان النظام.. تجمع أصحاب المظالم والحالمون بالتغيير، فى شوارع الثورة، ودون أن يحدد لهم أحد قبلة، ساقتهم أقدامهم إلى ميدان التحرير.
نزل حلم العدل والمساوة والحرية على الأرض.. راوغ مبارك وبحث عن مخرج.. قبض المواطنون أيديهم على حلمهم، وحسموا معركة التخلص من رأس النظام «الشعب خلاص أسقط النظام»، ومن أمام قصر العروبة رفع المتظاهرون شعار: «الشعب يريد بناء نظام جديد».
اصطدمت رغبة الشباب فى بناء جمهورية جديدة، بتآمر «غربان» الأوطان، كلما حاول الحالمون دفع الوطن إلى الأمام سحبوه الغربان إلى الخلف.
السنوات الخمس الماضية أثبتت أن النظام لم يكن مبارك وحرسه القديم أو عصابة أمانة السياسات، الوجوه تغيرت بفعل الغضب الشعبى، لكن التوجهات كما هى، لا فرق بين «كاب» أو لحية.. «البلد ليها أصحاب».
فى الذكرى الخامسة للثورة التونسية، هزت «تركة الماضى الثقيلة» ديمقراطية تونس الهشة.. المتظاهرون رفعوا شعار «لا خوف لا رعب.. الشارع ملك للشعب» احتجاجا على بقاء الأوضاع على ما هى عليه، «وكأننا لم نغادر 2010».
فى مصر عاد الماضى ليخرج لسانه إلى أبناء يناير، عاد من يعتقدون أنهم «دفنوا الثورة»، إلى مؤسسات الحكم.. الشعب تعلم الدرس.. يصبر لكنه لن يعطى شيكا على بياض، لا لفرد أو لمؤسسة.. إن لم يدرك النظام حقيقة ما جرى، فالمصير محتوم.
*ينشر هذا المقال بالتزامن في جريدة الشروق المصرية وبوابة العين الالكترونية*
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة