"الخصخصة" تقود السعودية لمرحلة جديدة في تاريخها
المملكة العربية السعودية تدخل مرحلة جديدة من السياسات الاقتصادية ببرنامج خصخصة لبعض القطاعات الحكومية وتنظيم عدد من الإجراءات
تدخل المملكة العربية السعودية، ثالث أكبر منتج للنفط في العالم، مرحلة جديدة من السياسات الاقتصادية ببرنامج خصخصة لبعض القطاعات الحكومية وتنظيم عدد من الإجراءات غير الاعتيادية علي المدي البعيد، علي خلفية هبوط أسعار النفط إلى أسعار قياسية لم تشهدها منذ أكثر من عقد، وذلك لتعويض الانخفاض الكبير في الدخل، والتكيف مع الظروف الاقتصادية والسياسية التي تعيشه المملكة.
كان ولي ولي العهد محمد بن سلمان قد تحدث في مقابلة مطولة مع مجلة إيكونوميست البريطانية عن عمليات خصخصة في القطاع الصحي والتعليمي وبعض المجالات في التصنيع العسكري والشركات التي تملكها الدولة وعن طرح أسهم في شركة النفط السعودية (أرامكو) حيث سيعلن الخطة في الأشهر المقبلة. وعبر عن حماس للفكرة لأنها تصب في "صالح السوق السعودي ومصلحة أرامكو ومصلحة الشفافية ".
المستشار السابق للمملكة العربية السعودية، ورئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات الاستراتيجية والقانونية بمدينة جدة، أنور عشقي، يقول في تصريحات لـ"بوابة العين" الإخبارية: إن المملكة لديها استراتيجية شاملة للتحول للقطاع غير النفطي، والذي يأتي ضمن هذه الاستراتيجية استغلال قطاعات يمكن أن تدر على خزينة الدولة ملايين الدولارات في السنوات المقبلة، وعمليات خصخصة في القطاع الصحي والتعليمي وبعض المجالات في التصنيع العسكري والشركات التي تملكها الدولة وطرح حصة صغيرة من شركة أرامكو للاكتتاب العام في محاولة لتأسيس نموذج جديد للتنمية من أجل تفادي المشاكل التي تحيط بالمملكة.
وأكد عشقي، الذي شغل مستشار الأمن القومي السعودي لرئيس المخابرات السابق الأمير بندر بن سلطان، والمُقرب من دوائر الحكم السعودية، كذلك "أن السياسة الاقتصادية الجديدة للمملكة لا تتكيف فقط مع الظرف الاقتصادي التي تعيشه البلاد، ولكنه يأتي في سياق أكبر متزامن مع مرحلة وتوجه جديد بقيادة الملك سلمان بن عبدالعزيز، مؤكداً أن السعودية مرت بثلاث مراحل تاريخياً المرحلة الأولي : مرحلة التأسيس وأبطالها الملك عبدالله والملك فيصل، ومرحلة التمكين والتي تحول فيها الشعب السعودي من الانتماء للقائد إلي الانتماء للنظام، وانتقاله من مرحلة الرعوية السعودية إلي المواطنة السعودية خلال فترة كل من الملك فهد والملك عبدالله، والمرحلة الثالثة في عهد الملك سلمان القائمة علي سياسة الاحتواء، ونموذج جديد للتنمية يتمثل في العديد من التوجهات الاقتصادية كنموذج الخصخصة لبعض الشركات الحكومية .
يبرر فخري الفقي، المستشار السابق لصندوق النقد الدولي بواشنطن، هذه الإجراءات الجديدة التي تبدأ المملكة في تنفيذها قائلا لبوابة "العين" الإخبارية: "انخفاض أسعار النفط عالمياً تركت تأثيراً سلبياً كبيراً علي المملكة كونها ثالث منتج للبترول في العالم، والتي جعلت حجم الأصول الأجنبية للسعودية تتراجع بشكل كبير، ببلوغ استهلاكها من هذه الأصول قيمة 150 مليار دولار من أصل 750 مليار دولار خلال الـ 18 شهرا السابقة، مما أدي إلي تخفيض التصنيف الائتماني للمملكة بدرجة واحدة، وزيادة للدين العام الخارجي، بعد أن كانت تحتل المرتبة الثالثة بعد الصين واليابان".
يضيف "الفقي" أن هذه التحديات السابقة أمام المملكة جعلتها تلجأ لسياسة جديدة تتمثل في ترشيد الدعم وعملية الخصخصة لبعض القطاعات الحكومية، من أجل عملية تكيف مع هذه الظروف تُخفف علي الحكومة أعباء الإنفاق من خلال بيع جزء من حصة الحكومة للجمهور سواء كان فردا طبيعيا أو مؤسسة.
أرامكو السعودية هي شركة سعودية حكومية بالكامل بعد تأميمها عام 1988 وتتخصص بكل الأعمال المتعلقة بالنفط والغاز والبتروكيماويات، والتي تصل قيمتها إلى 10 تريليون دولار، وتستفيد الحكومة السعودية فقط من ملكيتها وعائداتها، والتي سيتم طرح حصة صغيرة منها للاكتتاب العام للمستثمرين خلال الشهر المقبل.
"كيف ستتم عملية الاكتتاب العام لشركة أرامكو الشركة الحكومية السعودية ؟"
يجيب عن ذلك الفقي :" شركة أرامكو الشركة ذات القيمة السوقية الأكبر على مستوى العالم ، والتي سعت المملكة لامتلاكها من شركة أرامكو الأمريكية حتي أصبحت ملكاً صافياً للحكومة السعودية، موضحاً أن الاكتتاب العام سيكون من خلال إتاحة شراء أسهم في الشركات التي تندرج تحت "أرامكو" عبر الأسواق المالية، بحيث يمكن لأي فرد أو شركة أن يشتري أسهماً وفق سعر معين يتم تحديده لاحقاً بناء على دراسة مستفيضة من قبل بنوك الاستثمار، متوقعاً أن تُقدر هذه الحصة بنحو 5 - 10 % .
من جانبه، قال "عمرو إسماعيل" الباحث بمركز كارنيجي للأبحاث والدراسات السياسية، في تصريحات لبوابة "العين": إن القرارات الجديدة للحكومة مرتبطة بالانخفاض في أسعار النفط لاعتمادهم علي 90% من إيرادات النفط، مؤكداً أن عملية الخصخصة هذه المرة تختلف عن مثيلتها في التسعينيات، والتي كانت خصخصة بعض الشركات الصغيرة خلافاً لما سيتم خلال الفترة الحالية، مُرجعاً توسع عملية الخصخصة في الفترة المقبلة إلى الضغوط الجديدة المتمثلة في زيادة الاستهلاك المحلي للمواطن السعودي، وارتفاع مستويات المعيشة.
أخيراً، يضيف "إسماعيل" أن الإجراءات الجديدة التي ستشرع المملكة لتنفيذها قد تشمل تخفيض الدعم علي المحروقات، وجمع ضرائب علي المواطنين علي المدي البعيد كإجراءات وقائية للمملكة من الأزمات الاقتصادية العنيفة التي تعيشها الفترة المقبلة .