لم تعد واقعة تحتاج إلى تعريف مختصر بين يدى التعليق عليها بعد أن طاف الفيديو الشهير أرجاء مصر كلها مصحوبا بآلاف التعليقات
لم تعد واقعة تحتاج إلى تعريف مختصر بين يدى التعليق عليها بعد أن طاف الفيديو الشهير أرجاء مصر كلها مصحوبا بآلاف التعليقات فى يومين اثنين فحسب.. الحديث عما فعله الثنائى أحمد مالك وشادى حسين صار «مكلمة» مصرية جديدة بين المؤيد والمعارض اشتبكت فيها الثارات القديمة بمعايير القيم الأخلاقية وزايد فيها كل فريق على خصمه بكل وسيلة ممكنة بغض النظر عن مشروعيتها؛ ومن جديد نصبت محاكم التفتيش هذا إن كانت قد رفعت من قبل أصلا.. وفى ذروة الشجار تاه السؤال المهم برأيى.. هل ننظر جميعا من نفس الزاوية ثم تتابين بعد ذلك أحكامنا أم أن زاوية الرؤية نفسها مختلفة؟ مسألة اتفاق معايير الحكم مهمة جدا، وإلا فلن يجدى النقاش وسيظل كل فريق متشبثا برأيه.
توابع «الفيديو» تكشف مثلا أن تعريف (العيب) عندنا صار مختلفا بصورة مذهلة.. لا يتربى أفراد المجتمع المصرى على نمط واحد من التربية أو نسق واحد من القيم بل ولا حتى على اثنين أو ثلاثة، بل عندنا أنماط مختلفة وأنساق متباينة والمحصلة الحتمية لكل هذا الاضطراب اختلاف فى التوجه والفكر والقيم وحتى فى الولاء نفسه.
شاهدت الفيديو مرات ومرات.. تارة شاهدته بعينى طفلة ريئة وطفل غرير، لا تحدثنى من فضلك عن دور الأسرة فى حجب قضية كهذه عن جيل يتعلم مشاهدة الفيديو على اليوتيوب قبل أن يتعلم النطق الصحيح.. تخيل حجم فضول طفل لمعرفة المثير لغضب الناس فى بالونة ــ وليس الأمر كذلك بالطبع ــ أهداها شابان من عمر أخيه الأكبر لرجال شرطة تلقونها بالترحيب والسرور؟
وتارة شاهدته بعينى فلاح وتارة بعينى صعيدى وأخرى بعينى ربة منزل...ثم رأيته بعينى ضابط شرطة لم يقترف ما اقترفه غيره فى حق الناس، وبعينى شابٍ من ريف مصر يستهل فترة تجنيده أو ينهيها وليس له علاقة بكل ما جرى ويجرى..الخرق أوسع بكثير من تناحر أنصار الفريقين على مواقع التواصل الاجتماعى...أوسع بكثير.
انتقدت قبل ذلك من«يشرعن البذاءة» من بعض المنتسبين إلى التيار الإسلامى، لأن اضفاء صبغة شرعية على الانحطاط السلوكى بعيدا عن كونه يناقض ما دعت إليه الشريعة، هو نوع من الأسلحة ذات الحدين، سيستخدمه خصمك ضدك بالمقابل متأولا لنفسه مبررات شبيهة بالتى تسوقها الآن لنفسك.. وقريب من ذلك من يبرر لأصحاب الفيديو البذاءة فى أسوأ صورها ألا وهى الإهانة الجنسية متخيلا أن الطرف الآخر لم يبدأ أصلا فى توجيه نفس الإهانة إلا بعد أن برر لنفسه ذلك بأنه إنما ينتقم من أعداء الوطن الذين زعزعوا استقراره وجروه إلى الفوضى.
والسؤال للذين عارضوا الفيديو وهاجموا أصحابه، هل ساءكم أن الإهانة وُجهت للشرطة أم كان مبعث غضبكم الرئيسى هو معنى الإهانة الجنسى المتجاوز لحدود الأدب والعيب حسب معاييركم؟ لست أسأل للامتحان لكن أخشى من رد فعل مختلف وأقل حدة لو وجهت نفس الإهانة لأى مواطن مصرى آخر ليس ذا هيئة معتبرة بينكم.
الظلم لا يقابل بالظلم، والتعدى يواجه بالعقوبة وليس بتعد يفوقه، هذا هو معنى (لا ضرر ولا ضرار) وهو للأسف ما افتقده من هاجم أفراد أسرة الشابين بأقذع سباب وأحط إهانة معمما انتقامه على من لم يقترف ذنبا ولم يحرض عليه.. نفس التعميم الظالم نتناوب عليه كلنا بين حين وآخر، يؤاخذ بعضنا بعضا بذنوب لم نرتكبها لكن لأننا فقط ننتمى لهذا المعسكر أو ذاك يصير النيل منا مباحا.
إيحاءات ونكات وشتائم وفضائح جنسية تزخر بها برامج القنوات الفضائية ومواقع الإنترنت الإخبارية والصحف اليومية والأفلام والمسلسلات والأغانى و.. و.. فلتكن معاييرنا واضحة إذن فى رفض هذه وتلك، فلنصف القبيح بالقبح مهما تعددت أشكاله، فلا فارق فى المادة البذيئة بين ما كان يقدمه باسم يوسف وما تقدمه اليوم أبلة فاهيتا.. وعلى مثل هذا فقس الكذب والتزوير والتنصت إلخ.
ويبقى لى فى النهاية أن أقول: تخيل حجم الاضطراب النفسى وما ترتب عليه من خلل سلوكى يعانيه جيل كامل تشكل جزء كبير من وعيه خلال الخمس سنوات الماضية.. وعى تشكل فى وقت ٍسادت فيه الفوضى كل مجال وارتفع فيه التعصب على كل عقل وتمكن فيه اليأس من كل قلب.. وقت ولدت فيه الكراهية داخل المجتمع المصرى ونمت وترسخت حتى صارت أم المشاعر.. قُسم البيت الواحد إلى فريقين وربما ثلاثة.. أريقت الدماء أنهارا من كل طرف.. وأريقت قبلها معانى الرحمة والإنسانية.. القضية ليست فى استهتار شابين.. بل فى اضطراب جيل كامل!
*ينشر هذا المقال بالتزامن في جريدة الشروق المصرية وبوابة العين الالكترونية*
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة