لا أمل من الكتابة عن منير مراد و عن حياته و مسيرته الفنية, كل فترة أعرف عنه حكاية جديدة تجعل الكتابة سهلة و ممتعة مثل ألحانه
(1) في يناير1920 خرج بطل حلقة اليوم إلي النور, اليوم يمر علي ذكري ميلاده ما يقرب من قرن كامل, أراها مناسبة للإحتفاء بصنايعي يستحق أن( نجيب في سيرته) بمناسبة و بدون مناسبة, كتبت عنه من قبل
, لكنني لا أمل من الكتابة عن منير مراد و عن حياته و مسيرته الفنية, كل فترة أعرف عنه حكاية جديدة تجعل الكتابة سهلة و ممتعة مثل ألحانه, أعيد اليوم نشر ما عرفته علي هامش عيد ميلاده.
(2)
في بداية الستينيات و بعد انتشار التليفزيون في مصر دخل الفنان منير مراد علي مسئول في التليفزيون وقال له أنا عندي فكرة جهنمية, استقبله المسئول بحفاوة و اعتبر انضمام مراد للتجربة مكسبا وسأله عن الفكرة.
(3)
كان مصطلح الفكرة الجهنمية هو مدخل مراد علي أي فنان, قبل ذلك بأعوام طويلة وقف يقلد الفنانين للمخرج أحمد سالم في استراحة الفيلم الجديد الذي يصوره مع شقيقته ليلي مراد, سأله أحمد سالم أنت بتشتغل إيه دلوقتي؟ فقال له أنه يتاجر في كل شيء و أنه حاليا يشارك أنور وجدي في أكبر صفقة أمواس حلاقة في مصر, سأله عن مصدر رأس ماله فقال له أنه جمع مبلغا وفيرا من صفقة بطاطس سابقة, نظر له سالم مندهشا من قدرة مراد علي تجاهل الفنان الموجود بداخله و الإنشغال بالبيزنس, وطلب منه أن يشارك في الفيلم كمخرج مساعد.
لم يكن في نية منير مراد أن يحترف الفن بالرغم من أن العائلة كلما سألت عن سر اختفائه و هو طفل كانت شقيقته تخبرهم أنه مختبيء في الدولاب محتضنا عود والده الملحن يعزف و يغني, واعتقد الجميع أن حبه للفن هو سر فشله المتكرر في الدراسة, لكنه فاجأهم بأنه تخلي عن الاهتمام بدراسته وهجر الكلية الفرنسية من أجل احتراف تجارة البسطرمة و توزيعها علي البقالين.
إلي أن تعرف علي أنور وجدي من خلال شقيقته عندما زاره في موقع التصوير و قام علي سبيل المزاح بلعب دور عامل الكلاكيت فأقنع وجدي بتوسيع النشاط, وفي إحدي المرات كانت هناك مبالغ مستحقة علي أنور وجدي و فات موعد سدادها فدخل عليه مراد غاضبا فقال له وجدي مافيش فلوس.. تلحن لشادية؟.
اندهش مراد من العرض فقال له أنور وجدي لحن لها أغنية في الفيلم الذي أصوره معها و انتجه و أعتبر أجرك عن التلحين هو الدفعة المستحقة, وافق مراد فلحن لها أغنية واحد اتنين و نجحت نجاحا ساحقا.
(4)
كان منير مراد مليئا بالموسيقي لكنه لم يكن مهتما بالأمر ربما لشعوره أن والده زكي مراد و شقيقته ليلي قد سبقاه إلي عالم النجاح و الشهرة وانه لن يحقق أكثر مما حققاه, بخلاف أنه مهتم بموسيقي الجاز أكثر من اهتمامه بالموسيقي الشرقية و هذا نوع من الموسيقي لا سوق له في مصر, لكن بعد مرور سنوات طويلة كان منير مراد يقول في حوار صحفي أن نجاحه الموسيقي مع كل نجوم مصر كان نتيجة محبته لنوعين من الفن, الجاز و فن تلاوة القرآن.
نجاح أغنية شادية جعله يبدأ طريقا لم يكن يقصده, فانتهي به الحال واحدا من صناع النهضة الموسيقية في مصر مع بليغ و الموجي والطويل, وبالرغم من نشأته في عالم التجارة إلا أنه لم يتاجر بالفن يوما, زاره فطين عبد الوهاب في منزله حاملا شكوي بعض المطربين من أن منير يرفض التلحين لهم, قال له فطين إن كنت غير مقتنع بهم فعلي الأقل عليك أن تعمل لتوفر لنفسك دخلا, سحبه مراد من يده إلي غرفة المكتب و فتح له أحد الأدراج و به مبلغ من المال قال له مراد هذة مصروفات السنة أتعامل في حدودها هي فقط و كأنني توقفت عن التلحين حتي لا أضطر لتقديم مالا أرضي عنه.
(5)
دخل مراد علي مسئول بالتليفزيون قائلا أنا عندي فكرة جهنمية.. فكرة برنامج عايز أقدمه, سأله عن الفكرة فقال له منير مراد عايز أقدم برنامج أقرا فيه أهم الأخبار و المقالات اللي في جرايد النهاردة, اندهش المسئول من الفكرة و كان يعتقد ان مراد سيقدم برنامجا فنيا حافلا بالنجوم و سأله عن العلاقة بينه و بين هذا النوع من البرامج, فقال له مراد أنه سيقدم الأخبار مغناة ثم وقف في منتصف الغرفة ممسكا بالجريدة و غني له مانشيت كان يحمل غالبا أسماء شخصيات مهمة في الدولة, و يبدو أن رعبا ما أصاب المسئول فكان أن شكر مراد و طلب منه ألا يزور مبني التليفزيون من جديد.
(6)
بدأ حياته يهوديا اسمه موريس, وأنهاها مسلما اسمه منير, بدأها فاشلا في الدراسة و أنهاها بأن أصبح صنايعي السلام الجمهوري لكل مصري ناجح في الدراسة في كل زمان لحن اغنية وحياة قلبي و افراحه, بدأها من قلب الشهرة حيث عائلته الفنية الناجحة و أنهاها في صمت دون أن يلتفت أحد لرحيله عندما فارق الحياة بعد اغتيال السادات بأسبوع, رحل بينما مصر كلها مشغولة بمستقبلها الغامض, لدرجة أن خبر رحيله تم نشره بعد الوفاة بأكثر من يوم.
*ينشر هذا المقال بالتزامن في جريدة الأهرام وبوابة العين الالكترونية*
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة