الإسلام الآخر "الإسلام الشعبي" ظل تحت إدارة شعبية من قبل مشيخات تواضعت المجتمعات على تقديمهم لتوجيه دفة الدين،
عبر سيرورة تاريخنا المتطاول ثمة إسلامين ظلا يتساوقان حتى عصرنا الحديث وتحديداً في الربع الثاني من القرن العشرين لحظة تشكل الإسلام السياسي، هذان الإسلامان هما " إسلام السلطان/ والإسلام الشعبي" إسلامان لا يتداخلان ولا يتدخل أي منهما في التأثير على الآخر، الإسلام الرسمي السياسي ظل يستقي أهميته من الفقه التقليدي الذي يجعل الحاكم ظل الله في الأرض، وقد أنتج هذا الفقه لهذا الإسلام الرسمي فرمانات تشرّع له وتشرعنه عبر ما يسمى بفقه السياسة الشرعية والأحكام السلطانية وغيرها، وهذا الإسلام لا يزال يتعاقر حتى الراهن عبر النخب السياسية الحاكمة التي تجد في الأيدلوجيا الدينية الحضور وحتى المزايدة والمزاحمة على الدين والشريعة تجاه الآخر الديني الشعبي والحركي.
الإسلام الآخر " الإسلام الشعبي" الذي لا علاقة له من بعيد أو من قريب بالإسلام الرسمي السلطاني، هذا الإسلام ظل تحت إدارة شعبية من قبل مشيخات تواضعت المجتمعات على تقديمهم لتوجيه دفة الدين، كانت أزمة هذا الإسلام والتي هي أزمتنا حتى الراهن غرقه في الخرافات والهوامش وتحويل الدين إلى طقسيات طرقية تستلب الوعي والعقل وتجعل الفرد كائناً عاجزاً اتكالياً محكوم بالتبعية التي تفترضها قداسة مسيري شأن المقدس، بالإضافة إلى تحول العلاقة بين الإنسان والله إلى علاقة ملتوية تمر عبر شيوخ الطريقة الذين نصبوا أنفسهم وكلاء الله على الأرض، هذا الإسلام "الشعبي" هو الذي يحكم وعينا العميق ويسيطر على اللاوعي الجماعي بعامة، مع سقوط الإمبراطورية العثمانية والتي تعد لدى كثير من المسلمين خلافة كانت الفاجعة التي خلقت الرغبة باستعادتها مجدداً ومن هنا كانت لحظة تخلق الإسلام الثالث "الإسلام الحركي أو السياسي" والذي أنتجه بالإضافة إلى سقوط العثمانية دور علماء الدين لاحقاً في حركات التحرر الوطني وحروب الاستقلال، حيث برزت فئة من طبقة رجال الدين الذين شاركوا في الاستقلال وتحولوا إلى رموز وطنيين جمعوا ما بين القيمة الدينية والبعد السياسي، هذه الطبقة من رجال الدين كانت نواة ما بات يعرف ويوصف بالإسلام السياسي حيث أصبحوا يزاحمون النخب السياسية الحاكمة سياسياً كما دينياً باعتبارهم الشريك في تخليص الشعوب من سلطة المستعمر، بالإضافة إلى شعور هذه الفئة من الرموز الدينية بأنهم الممثل الموضوعي والحقيقي للشعوب بخلاف النخب الحاكمة التي يعتبرونها ممثلا غير شرعي وغير أمين بوصفها متماهية بالمشروع الاستعماري بشكل من الأشكال كما شعورهم أن النخب الحاكمة لا تحمل المشروطية التي تؤهلهم لقيادة بلدانهم لانقلابهم على الحريات وفشلهم في تحقيق تطلعات شعوبهم.
إذاً من هنا كان تشيؤ وتشكل الإسلام الثالث والذي يعرف راهناً بالإسلام السياسي أو الحركي والذي لم يكن له وجود في التاريخ الإسلامي إلا من خلال ثورات طارئة تخبو سريعاً وليس لها حضور أو تأثير لدى السواد والذي كان يهيمن عليه عبر تاريخنا الإسلام الرسمي والإسلام الطرقي الشعبي، ما يعني أننا راهنا أمام إسلام طارئ يأخذ صفتين السياسي والشعبي،
(المختصر)
يتراجع حضور الإسلام الشعبي لصالح الإسلام المستحدث "الحركي" بصرف النظر عن سلبياته وإيجابياته، وبات الإسلام الحركي يزاحم الإسلام الرسمي السلطاني الذي ظل طويلاً يحتكر الرأس مال الديني الرمزي، وذلك ما سبب التصادم ما بين النخب السياسية الحاكمة التي تفترض أنها المخول باحتكار الخطاب الديني وجماعات الإسلام السياسي التي تؤمن أنها الأجدر والأحق باحتكار توزيع الخطاب الديني ومن هنا كان السجال الذي يصل لمرحلة الاحتراب والعنف المتبادل.
بالنسبة للإسلام الشعبي العفوي الذي كانت المجتمعات تتعبد من خلاله بتلقائية فإن الحال والواقع قد تغير؛ حيث الإسلام الحركي آخذ في إزاحته والحلول مكانه، ولم تعد عامة المجتمعات تتكئ على الإسلام التقليدي المحلي الشعبي المحايد إذ تغيرت اللغونة بتغلغل الوعي والقيم الإسلاموية الحركية حتى لدى الإنسان العادي الذي بدأ يشعر بأهميته ودوره الذي همّشه السياسي طويلا من خلال تدجينه بالإسلام الشعبي ومنحته إياه أدبيات الإسلام الحركي، مع تراجع الإسلام الشعبي في صناعة الوعي وإدارته لصالح الإسلام الحركي تكون المجتمعات إزاء صراع على النفوذ الديني والاجتماعي ما بين النخب السياسية الحاكمة التي كانت تستفرد بالوعي الجماعي وجماعات الإسلام السياسي الطارئة على الساحة الجماعية، ومن هنا انخرطت المجتمعات العربية في فسططة دينية سياسية وتحت رغبوية احتكار المقدس وتوزيع الدين وإدارة المجتمعات.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة