ولا يخفى على المتابع للشأن الإفريقى أن غياب الحريات والاضطهاد والمطاردة هى أحد الأسباب الرئيسية لهجرة الأفارقة غير الشرعية لأوروبا
حتى لا تبقى مقررات القمة الإفريقية التى تختتم أعمالها اليوم تحت شعار (2016 عام إفريقيا لحقوق الإنسان،خاصةً النساء) مجرد شعار لا يهتم بتنفيذه أحد يتعين على القادة الأفارقة الإتفاق على صيغة مُلزمة لاحترامها، وتحديد عقوبات يمكن للاتحاد الإفريقى أن يوقِّعها على المخالفين منهم، والإسراع بتفعيل عمل المحكمة الإفريقية لحقوق الإنسان والشعوب للفصل فى الشكاوى التى تُرفع إليها وأن يتخلوا عن رفضهم التعاون مع المحكمة الجنائية الدولية، بحجة أنها لا تتهم غير الأفارقة، بدون ذلك يبقى احترام حقوق الإنسان مجرد كلام، ويظل الحكام متحكمين فى مصائر شعوبهم بلا رادع أو محاسبة بدءاً بالاعتقال والسجن، مروراً بالتعذيب والإخفاء القسري، وانتهاءً بالقتل وتذويب الأجساد فى براميل الأحماض أو دفنها فى مقابر سرية حتى لا يعرف إليهم الأهل سبيلاً.
حقوق الإنسان تنتهكها أجهزة أمن النظم الحاكمة فى معظم دول إفريقيا، مع اختلاف بسيط فى الدرجة، سواءُ القابعة منها تحت حكم ديكتاتورى أوالمضطربة أوحتى المستقرة نسبياً،فصدور الحكَّام تضيق بالنقد، وبالذين يخالفونهم فى الرأى حتى فى أكثرها ديمقراطية، وعادةً ما تتحول أجهزة الأمن إلى زبانية يسومون المعارضين سوء العذاب إرضاءً لحكامهم وحفاظاً على مناصب قادتهم،ويلفِّقون الاتهامات لغير المهللين للسلطة لإرغامهم على إغلاق أفواههم وأعينهم عن مساوئها.
وتقارير منظمات حقوق الإنسان الوطنية والدولية تعج بمئات الأمثلة على انتهاك حقوق المعارضين للنظم الحاكمة، وأولئك الذين يُوقِعهم سوء حظهم فريسةً لأطراف الصراع على السلطة والنزاعات العرقية والدينية فى دول كثيرة مثل الكونغو- كينشاسا ونيجيريا وبوروندي.
ولا يخفى على المتابع للشأن الإفريقى أن غياب الحريات والاضطهاد والمطاردة هى أحد الأسباب الرئيسية لهجرة الأفارقة غير الشرعية لأوروبا مخاطرين بحياتهم بالموت عطشاً وجوعاً ومرضاً فى الصحراء، أوغرقاً بالبحر المتوسط، وعندما طالبت المحكمة الجنائية الدولية بأن يَمثُل أمامها زعيم متهم بارتكاب جرائم حرب أوجرائم ضد الإنسانية، أو إبادة جماعية، أو كلها معاً لمجرد أن يرد على أسئلة المحققين انتفض القادة الأفارقة متهمين إياها باستهداف الأفارقة دون غيرهم وقرروا عدم التعاون معها لتبقى أيدى المتهمين طليقة وليتمادوا أكثر فى ظلمهم ويتملَّك أبناء شعوبهم الإحباط واليأس من تحقيق العدالة أوالإصلاح.
من أمثلة انتهاكات حقوق الإنسان التى تشيب لها الولدان مصرع واختفاء 40 ألف تشادى خلال ثمانى سنوات فقط هى فترة حكم حسين حبرى فى أواخر القرن الماضي، وإزهاق أرواح عشرات الآلاف بأيدى زبانية عيدى أمين وميلتون أوبوتى فى أوغندا، وديكتاتور زائير موبوتو سيسيسيكو قبل الإطاحة به عام 1996، وفى أثناء حكم كل من الإثيوبى منجيستو هيلامريم الذى دفن جثمان الإمبراطور هيلا سيلاسى تحت موضع قدميه داخل مكتبه، وجامبوديل بوكاسا الذى نصّب نفسه امبراطوراً لإفريقيا الوسطي، وقيل إنه احتفظ بجثث بعض ضحاياه فى الثلاجة والتهم أجزاء منها إمعاناً فى الانتقام، ولم يُعرف بعد مدى حجم الفظائع الى تُرتكب فى دول مثل بوروندى ورواندا والجابون وجامبيا وغينيا الاستوائية وأنجولا والكونغو برازفيل وإريتريا وجنوب السودان، وكأنه لا يكفى الأفارقة ما تعانيه أغلبيتهم العظمى من جوع وأمراض. وعدم توافر العلاج. وقلة فرص التعليم والعمل.
والحرمان من الكهرباء ومياه الشرب النظيفة، وكلها من أساسيات حقوق الإنسان التى جعلتها القمة الإفريقية شعاراً لها.
أما عن حقوق النساء التى رأت القمة التركيز عليها فلا يمكن فصلها عن حقوق الرجال، سواءُ منها ما يتعلق بحرية الرأى والتعبير والمشاركة فى الحياة السياسية أو بالتعليم والعمل والعلاج والحماية من أهوال الصراعات المسلحة، فإذا كانت الحكومات تريد حقاً إنهاء معاناة النساء أو التخفيف من وطأتها، فعليها العمل بجدية للقضاء على أسباب معاناة الرجال والنساء معاً، وإنهاء احتكار الأقلية من المحظوظين والصفوة لخيرات بلادهم، أما إذا كان المقصود حقوق النساء مثل الحرمان من الميراث وتملك الأرض وتزويج فتيات أطفال من كهول مقابل مبالغ مالية أو قطعان ماشية لأُسرهن فهذه عادات قبلية لن تستطيع لها دفعاً وسوف تضيِّع وقتها فيما لا طائل من ورائه إذا حاولت تغييرها.
المرأة الإفريقية تحتاج إلى نيل ولو بعض حقوقها الإنسانية التى حُرمت منها بزيادة فرص التعليم المجانى وتوفير العلاج بالنوعية والكمية اللازمة للتغلب على الأمراض المتفشية والمزيد من فرص العمل لتمكينها من إعالة أطفالها حتى لا يموتوا جوعاً أو تضطر لبيع جسدها لمن يدفع لإنقاذ حياتهم، وتحتاج أيضاً لحماية السلطات لها من القتل والإغتصاب وعنف الزوج، وقبل هذا وذاك إلى امتناع السلطة عن مصادرة ممتلكات أسرتها البسيطة خاصةً الأراضى الزراعية وبيعها بثمن بخس لمستثمرين يقيمون عليها مشروعات ترفيهية بلا تعويض حقيقى حتى لا تُضطر إلى التعرى أمام المسئولين ورجال الشرطة لإجبارهم على ترك أرضها كما حدث فى أوغندا قبل أشهر أو للتظاهر عاريات احتجاجاً على طردهن من السوق، كما فعلت بائعات جائلات فى الجابون خلال نوفمبر الماضي، أو الهروب من الزوج الذى تم تزويجها به بالإكراه والإحتماء بقرية أنشأتها مع أخريات وحرَّمن على الرجال دخولها كما حدث فى كينيا مؤخراً.
*ينشر هذا المقال بالتزامن في جريدة الأهرام وبوابة العين الالكترونية*
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة