ساندرز يؤكد أن رسالة أيوا تساند ما يدعو إليه من "ثورة" على كل القوى التي تحكم العملية السياسية والاقتصادية في أمريكا منذ عقود.
أهمية ماراثون الانتخابات التمهيدية ليست دائمًا في تحديد المرشح الفائز في الولاية، ولكن في تحديد صاحب الزخم الذي يمكنه أن ينطلق ليحقق نتائج أفضل في الولايات التالية، فالفائز المعلن للانتخابات ليس بالضرورة الفائز الحقيقي بها، وبهذا المعنى أعتقد أن الفائز الأكبر عن الحزب الجمهوري في ولاية أيوا هو السناتور ماركو روبيو الذي حقق المركز الثالث بنسبة ٢٣٪، لكنه خرج من أيوا إلى نيوهامشير والريح في ظهره باعتباره الحصان الأسود للسباق، لذلك جاء خطابه إلى مؤيديه احتفاليًّا كما لو كان قد فاز بالولاية.
على الجانب الديمقراطي يكفي السناتور بيرني ساندرز أن أمريكا ذهبت إلى مضاجعها دون أن تعرف الفائز بينه وبين هيلاري كلينتون، فعندما دخل ساندرز الانتخابات لم يكن الكثيرون يعرفون اسمه في أيوا أو في أمريكا عمومًا، وهو يواجه الماكينة الانتخابية الأقوى في أمريكا ، التي ردعت البعض مثل نائب الرئيس جوزيف بايدن عن القفز إلى السباق، لكن ساندرز استطاع أن يخلق حماسًا كبيرًا خاصة بين الشباب، رغم أن عمره 74 عامًا.
ساندرز يؤكد أن رسالة أيوا تساند ما يدعو إليه من "ثورة" على كل القوى التي تحكم العملية السياسية والاقتصادية في أمريكا منذ عقود، وهو في هذا ربما يكون على حق ليس فقط على الجانب الديمقراطي، ولكن أيضًا على الجانب الجمهوري، فالخاسر الأكبر فيهما هو "مؤسسة" الحزب في واشنطن، والتي اعتادت أن يتفوق مرشحوها في الانتخابات التمهيدية للحزبين، ولكن ما حدث في أيوا كان العكس، فساندرز خرج بتعادل بطعم الانتصار أيًّا كان من ستوضع أمامه علامة الفائز في النهاية، أما في الحزب الجمهوري فكان الفائز هو السناتور تيد كروز (٢٨٪) الذي جعل الهجوم على مؤسسة الحزب بندا أساسيًّا في حملته الانتخابية، معتمدًا في ذلك على دعم كبير من المسيحيين المحافظين والإنجيليين.
وربما يكون الخاسر الآخر في أيوا هو استطلاعات الرأي العام التي كانت تعطي دونالد ترامب تقدمًا ملحوظًا، بينما كانت تعطي الأفضلية لهيلاري بفارق صغير.
لكن دونالد ترامب قامر بعدم حضوره المناظرة الأخيرة بين المرشحين، ويبدو أنها كانت عاملًا كبيرًا في خسارته وحصوله على المركز الثاني (٢٤٪)، وكان المستفيد الأكبر من تراجعه هو ماركو روبيو الذي يعد الاختيار الثاني لدي أغلبية الناخبين.
وقد أضاع ترامب كثيرًا من الوقت في الأسابيع الماضية في مهاجمة تيد كروز الذي انتهي به الأمر للفوز بالولاية، لكن الخطر الحقيقي على ترامب الآن يأتي من روبيو، فقد انتزع منه نسبة كبيرة من مؤيديه في الأيام الأخيرة، وقد يفعل الشيء ذاته في نيوهامشير بعد أن أصبح السباق ثلاثيًّا بين روبيو وترامب وكروز، لكن كروز يعتمد على قاعدة محافظة مثل تلك التي فاز بها ريك سانتورم منذ أربعة أعوام، وفاز بها مايك هاكابي منذ ثمانية أعوام، لكن كلا منهما لم يتمكن من الفوز بترشيح الحزب الجمهوري في النهاية، أما روبيو فهو شاب صاحب كاريزما ورغم اعتماده علي تأييد تيار "حفل الشاي" المتشدد الذي ساعده على الفوز بمقعده في مجلس الشيوخ عن ولاية فلوريدا منذ خمس سنوات، فإنه استطاع بعدها تحقيق التقارب من مؤسسة الحزب أو التيار الأكثر اعتدالًا، خاصة عندما انضم لما يوصف بـ "عصابة الثمانية" لإصلاح نظام الهجرة في أمريكا، والنتيجة القوية لروبيو في أيوا ستحسم مواقف الكثير من المترددين في دعمه ماليًّا وسياسيًّا ليصبح المرشح المفضل لمؤسسة الحزب بعد أن ظل يتنافس مع جيب بوش وجون كاسيك وكريس كريستي، حيث يتعين على الثلاثي الأخير تحقيق نتيجة قوية في نيوهامشير إذا كان لهم الاستمرار في المنافسة.
وبهذا يمكن القول إننا أمام معركة حقيقية ومثيرة بين ترامب وروبيو بشكل أساسي ومعهما تيد كروز.
السؤال الآن: ماذا تحمل المرحلة القادمة؟
الملاحظ أن نيوهامشير كثيرًا ما تأتي بنتائج مغايرة لما تنتهي إليه ولاية أيوا، ودعونا نعود قليلًا لعام ٢٠٠٨ حيث يصف مدير حملة باراك أوباما دافيد أكسيلرود كيف أنهم بعد فوزهم الكبير في أيوا توجهوا إلى نيوهامشير بثقة كبيرة لتوجيه الضربة القاضية لهيلاري كلينتون؛ لأنهم كانوا متقدمين عليها بنسبة ١١٪ في الليلة السابقة على الاقتراع ، لكن الأمر انتهى بهزيمتهم في الولاية وفوز هيلاري، وبالنسبة للجمهوريين فعندما فاز مايك هاكابي بولاية أيوا عام ٢٠٠٨ جاءت نيوهامشير لتعطي قبلة الحياة للمرشح الذي اعتبره الكثيرون منتهيًا في ذلك الوقت وهو جون ماكين، وفي الانتخابات الماضية فاز ريك سانتورم في أيوا ، لكن ميت رومني عاد وفاز في نيوهامشير وبترشيح الحزب.
لكن الفائز بترشيح الحزب في حالتي ماكين ومن بعده ميت رومني ذهب ليخسر أمام أوباما في الانتخابات العامة ٢٠٠٨ /٢٠١٢ وكلاهما يمثل مؤسسة الحزب، وهو ما يفتح الباب الآن أمام مرشح مثل تيد كروز يؤكد دائمًا ضرورة التمسك بالقاعدة المحافظة وعدم التضحية بمبادئهم من أجل اجتذاب المستقلين.
أما على الجانب الديمقراطي فقد كانت هيلاري تسعي لفوز معقول في أيوا؛ لأنها متخلفة بنسبة كبيرة على ساندرز في نيوهامشير، ولو صدقت الاستطلاعات الحالية فإنها ستخسر في انتخابات الولاية بعد أسبوع، وسيكون عليها الاعتماد على حائط الصد الذي تحتمي خلفه في الولاية التالية (ساوث كارولينا) وبها نسبة كبيرة من السود (٦٠٪) الذين يميلون لتأييدها، وعندها يمكن أن تنطلق إلى نيفادا وغيرها من الولايات معتمدة على ماكينتها الحزبية والدعم الذي تلقاه في ولايات الجنوب في مواجهة ساندرز وهو يهودي يصف نفسه بأنه (اشتراكي) في بلاد تعتبر هذا التعبير وصمة سياسية، لكن هيلاري خسرت أكثر من 80% من الشباب في أيوا، وهي مشكلة ستلاحقها في الانتخابات العامة في حالة فوزها المتوقع بترشيح الحزب.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة