وستبقى التحولات الإنسانية، مرهونة بتسريع الإنسان لها أو تبطئتها، فهو الأداة الفاعلة والمتحكمة فيها، وإن خرجت أحياناً عن السيطرة والتحكم
كانت صور ومقاطع (الجليد) الذي كسا شمال الجزيرة العربية بالبياض، الأسبوع الماضي، هي الأكثر تداولاً وتندّراً فانتازياً لا يخلو من تحفيز العقل للتأمل في ما يحصل في الكون من تحولات تثير العجب والحيرة.
تحولات تقنية أفرزت تغيرات اجتماعية بالغة التأثير الآن في العلاقة بين الناس، عبر الاتصال والانفصال معاً.
وتحولات سياسية تمخضت عنها تكوّنات دينية تجاوزت المفهوم السائد للغلو والتطرف، وقادت للولوج إلى عهد (ما بعد التطرف).
وتحولات اقتصادية موعودة، تنبئ بتأثيراتها وأعراضها الأزماتُ المالية والنفطية المتوالية.
وستبقى كل هذه التحولات الإنسانية، أو معظمها، مرهونة بتسريع الإنسان لها أو تبطئتها، فهو الأداة الفاعلة والمتحكمة فيها، وإن خرجت أحياناً عن السيطرة والتحكم!
أما التحول المناخي فهو أمر لا يد للإنسان فيه بتاتاً، لا إطلاقه ولا كبحه ولا حتى تبطئته، وإن زعم ذلك عبر التفسيرات والإجراءات التي أعلنت عنها القمة المناخية في باريس، في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، والقمم السابقة لها.
هل كانت المصانع والتلوث وثقب الأوزون سبباً في التحول المناخي من العصر الجليدي الأخير إلى عصرنا المناخي الذي نعيشه الآن؟!
تنقل «ويكيبيديا» عن أن: «التراجع الجليدي الأخير بدأ منذ أقل من 20 ألف سنة. ويتوقع معظم العلماء أن فترات ثلجية ستحدث مرة أخرى، حيث يعتقدون بوجود تغيرات منتظمة في مدار الأرض حول الشمس وفي زاوية ميلها، وقد يتسبب هذا في برودة تزيد من تشكيل كتل جليدية».
ونقلت قناة «العربية» عن عالم روسي، يعمل في مرصد بولكوفسكايا، ما أعلنه في مؤتمر بشيكاغو في عام 2010، عن قرب بدء العصر الجليدي الجديد. وبأن عام 2014 تقريبا سيشهد بداية ظواهر العصر الجليدي بحدوث اضطرابات شديدة في مناخ الأرض في هذه الفترة.
***
في أحد لقاءات اليونيسكو، كان بجواري السفير الهولندي لدى المنظمة. سألني: هل صحيح ما يقال عن البرد الشديد في بلادكم الأسبوع الماضي؟! قلت له نعم، برد وجليد. توقّفَ عن سؤال البرد والتفتَ إلى سؤال الجليد: هل ينزل في (صحراء) الجزيرة العربية جليد؟! قلت له: كان لا ينزل، أما الآن فنزل وجعل الصحراء الصفراء بيضاء! ثم أريته من جهازي المحمول بعض الصور من الصحراء الجليدية، وفيها بيوت الشَّعر البيضاء والنخل المتلفع بالبياض والجمل «الأبيض»!
تعجّب صديقي الأوروبي من الصور، ثم قام فوراً باستعراض صور من جواله عن قرية جبلية في سويسرا قال إنه تعوّد منذ الصغر أن يمضي إجازة «الكريسماس» في التزلج على جبالها، لكنه حين ذهب إليها الشهر الماضي وجدها ممحلة سوداء خالية من البياض إلا في أعاليها.
استأثرتْ صورة الجمل، المكسو بالبياض في وسط ساحة بيضاء ممتدة، بالاهتمام الأكبر من لدن السفير الأوروبي. قال: أشعر بالقلق على هذا الجمل، كيف سيتأقلم؟!
خففت من قلقه بقولي له أن المسألة مسألة وقت فقط، وقد تركنا لصديقنا الجمل أن يقرر، إما أن يتأقلم مع أجوائنا ومناخاتنا الجديدة، أو يهاجر إلى (صحراء سويسرا). «يعتقد بعض العلماء أن الجمال والخيول والفيلة الموجودة الآن ظهرت أولاً في العصر الجليدي. نشأ الحصان والجمل في أميركا الشمالية، ثم عبرا مضيق بيرنغ إلى آسيا. وقد استأنس الإنسان الجِمال قبل 4 آلاف سنة». (من «ويكيبيديا»).
ولكن، قبل أن يغادرنا الجمل العزيز سنقيم له حفل توديع وتكريم لقاء الجهود والخدمات التي قدمها لنا طيلة عمله معنا خلال الأربعة آلاف سنة الماضية.
***
قد تبدو هذه الهواجس من الفانتازيا أيضاً، لكن الواقع أن التغيرات المناخية التي يحذّر منها العلماء منذ سنوات قليلة، تحصل... بأسرع مما يتوقعون ومما نأمل!
في هذا السياق، يصبح من الملائم جداً التأمل في الحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال، قبل 1400 سنة: «لا تقوم الساعة حتى تعود أرض العرب مروجاً وأنهاراً».
نبوءة سبقت القمم المناخية!
*ينشر هذا المقال بالتزامن في جريدة الحياة وبوابة العين الالكترونية*
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة