لا يبدو أن الوضع الفلسطيني يمكنه النفاذ من «طوق الإسوارة» التي حشر نفسه فيها، وجاء الحصار الإسرائيلي والدولي ليزيده اختناقاً
لا يبدو أن الوضع الفلسطيني يمكنه النفاذ من «طوق الإسوارة» التي حشر نفسه فيها، وجاء الحصار الإسرائيلي والدولي ليزيده اختناقاً، في ظل تحولات محلية سلبية، أثرت في قدرة القيادة الفلسطينية على القيام بمهماتها الكفاحية، حتى أنها لم تستطع أن توجه دفة الهبة الشعبية، وهي تستخدم أدوات بدائية في مقاومة العدو، بل أبقت على مسافة واسعة بينها وبين الهبّة، فيما هي كانت تتباهى بقدرتها على منع العمليات العسكرية وإفشالها، في ظل استمرار التنسيق الأمني، الذي جرى ويجري ترسيخه على ألسنة بعض قيادات السلطة، على رغم قرار المجلس المركزي والتصريحات المتواصلة عن وقف التنسيق الأمني مع الاحتلال.
الستاتيكو السلطوي هذا، يقابله ستاتيكو التشرذم والانقسام، للمضي في حالة المراوحة عند النقطة ذاتها التي لم يغادرها الوضع الوطني الفلسطيني، منذ أكثر من عقد من السنوات، تماماً مثلما ذهبت اتفاقات أوسلو ومفاوضاتها الموعودة في بقائها عند النقطة ذاتها، التي لم يغادرها قطار أوسلو، على رغم مرور أكثر من عقدين، تخللتها على الجانب الإسرائيلي تغيرات كبيرة وواسعة، سواء في الحالة السياسية الفلسطينية وتراجعاتها الكبرى، أو في الحالة التي باتت عليها جغرافيا «الدولة الفلسطينية» العتيدة، بفعل التغول الاستيطاني المستمر، ومطامع الاحتلال وطموحات المستوطنين، ومن خلفهم حكومتهم اليمينية المتطرفة في سلب القدس الموحدة هويتها، ومصادرة المزيد من الأراضي والاعتداء على المقدسات.
بمعنى من المعاني، ينبغي أن يتجه الوضع الوطني الفلسطيني، إلى ضرورة إعادة صياغته كفاحياً ودستورياً، في ما يتجاوز مهمة الترقيع وإعادة الترقيع هنا وهناك، على ما جرى طوال سنوات الانقسام ومجموع اللقاءات التي جرت في الرياض والدوحة والقاهرة وصنعاء، والاتصالات الثنائية بين قيادات من «فتح» و «حماس»، وبمشاركة من قيادات فصائلية، كلها لم تنتج سوى استمرار الصدوع والشروخ وتكريس الانقسام السياسي والجغرافي، وكأن ما يجري في الوضع العربي والإقليمي والدولي، لا يعني شيئاً مؤثراً وفاعلاً، بقدر ما يجري تجاهله لمصلحة استمرار الستاتيكو السلطوي، الذي أصاب طرفي الانقسام وكل الأطراف الفصائلية الأخرى المستفيدة من وضع غير طبيعي، باتت تنتصر فيه لفئويتها، على حساب مواقفها الوطنية المفترضة، وبدل الانحياز لأدوارها الكفاحية الواجبة.
الضرورة الكفاحية الراهنة، تقتضي لملمة الوضع الوطني برمته، للوقوف صفاً واحداً إلى جانب الهبّة الشعبية الوطنية، وضرورة التضامن الفعلي مع حقوق الشعب الفلسطيني في الجليل والمثلث والنقب، وفي مواجهة مخططات العدو المتصاعدة والمتغولة، وإلا فلا حكومة وحدة فوقية وشكلية، يمكنها أن تفعل ذلك، ولا الرهان على انتخابات عامة أو رئاسية، سنجد العديد من الأعذار والحجج لعدم إجرائها، ويمكنها، إن حصلت، أن تنقذ الوضع الوطني المنقسم على ذاته، من شرور الحالة التي بلغها الحال الفلسطيني في ظل التغول «الداعشي»، وانتكاسة ثورات «الربيع العربي»، وتغول أنظمة الاستبداد في ظل الانقلاب الاقليمي والدولي الذي بات يضع البيض كله في سلال تلك الأنظمة، وهي تثبت جدارتها في خدمة دول الطغيان والاستبداد العالمي، ومثيلاتها من الأنظمة الاقليمية المكرسة اليوم لمنع أي تغيير نحو الأفضل لشعوب هذه المنطقة.
* ينشر هذا المقال بالتزامن في جريدة الحياة وبوابة العين الالكترونية*
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة