زيارة أوباما تأتي في أفضل وقت ممكن رغم أن ضوضاء العملية الانتخابية أصبحت تغطي حتى على صوت الرئيس
هذه أول زيارة للرئيس الأمريكي لمسجد في الولايات المتحدة منذ وصوله إلى البيت الأبيض، رغم أنه زار كثيرًا من المساجد خلال زياراته الخارجية للدول الإسلامية، وهو ما يعطي هذه الزيارة أهمية كبرى، خاصة أنها تأتي في وقت يتعرض فيه المسلمون لمزيد من التحرش والاعتداءات بعد الهجمات الإرهابية الأخيرة في فرنسا والولايات المتحدة.
وربما تكون حساسية موقف أوباما تحديدًا في زيارة مساجد أمريكية مرتبطة بعلاقته الشخصية بالإسلام، فهو مسيحي لكن المدهش أن نحو ثلث الأمريكيين يعتقدون أنه مسلم، نظرًا لأن له إخوة مسلمين، وإن كان أوباما ذكر ضاحكًا أن توماس جيفرسون تعرض أيضًا لمثل هذا الكلام من خصومه السياسيين، وفي أحيان كثيرة يستخدم الجمهوريون المحافظون هذا الخلط لمهاجمة أوباما وما يصفونه بضعفه في مواجهة "الإرهاب الإسلامي المتطرف" وهو التعبير الذي يجد المرشحون الجمهوريون للرئاسة متعة خاصة في استخدامه لإظهار شجاعتهم الوهمية في قول ما ليس ملائمًا سياسيًّا، رغم أنهم في الحقيقة يكسبون منه تأييدًا متزايدًا، كما حدث مع تيد كروز، و كذلك دونالد ترامب الذي تجاوز كثيرًا إلى المطالبة بمنع كل المسلمين من دخول أمريكا.
لذلك فإن زيارة أوباما تأتي في أفضل وقت ممكن رغم أن ضوضاء العملية الانتخابية أصبحت تغطي حتى على صوت الرئيس، لكنه استغل الفرصة وتناول الأمرـ ليس فقط في إطار الكلام النظري عن التسامح وتقبل الآخر أو أن الإسلام دين سلام ـ ولكن بأسلوب مؤثر بالحديث عن أطفال وشباب صغار يتعرضون للتحرش ويخافون على سلامتهم الشخصية، أو يتساءلون ما إذا كانوا سيتعرضون للترحيل من أمريكا، وتحدث عن أم قالت له، إنها تبكي كل ليلة خشية ما يمكن أن يتعرض له أطفالها في المدرسة. قال أوباما، إن مثل هذه التصرفات لا تنسجم مع القيم الأمريكية، وهاجم اللغة الفظة للمرشحين الجمهوريين للرئاسة، مؤكدًا أنها تتعارض مع المصالح الأمريكية، فهي تعطي شرعية للإرهابيين من أمثال داعش الذين يدّعون تمثيلهم للإسلام.
لكن رسالة أوباما لقادة الجالية الإسلامية لم تكن فقط من أجل "الطبطبة" وكسب التصفيق، فقد وضعهم أمام مسئولياتهم لمواجهة التطرف باسم الإسلام وتنقية صورة دينهم، مما يحاول هؤلاء الإرهابيون أن يلصقوه به، ونفى ما يتم تداوله من نظريات مؤامرة غير حقيقية عن أن الولايات المتحدة والغرب في حرب ضد الإسلام.
خطاب أوباما في مجمله لم يكن مفاجأة لي، فهو يعبر عن ثقافته الواسعة وفهمه للتاريخ والحضارات المختلفة، ورؤيته لما يجب أن يتم لمواجهة ما يحدث من انقاسامات أو تشويه لفئة أو دين، لكني وقفت أمام بعض النقاط الهامة في خطابه:
أولًا: إذا كانت الأغلبية المسيحية يجب أن يكون لها دور أكبر في محاربة التعصب في أمريكا، فإن على المسلمين أيضًا مواجهة استهداف الأقليات المسيحية أو معاداة السامية، كما يحدث في بعض مناطق الشرق الأوسط.
ثانيًا: تحدث عن أن الحمل الثقيل الآن على المسلمين بنفي مسئوليتهم عما تقوم به أقلية من الإرهابيين هو أيضًا فرصة لهم ليوضحوا إمكانية أن يكونوا مخلصين لدينهم، وفي الوقت نفسه جزءًا من مجتمع يحتفي بالتعددية، ويؤمنون بالديمقراطية ويسهمون في العلوم، أعطاهم أيضًا ما يمكن أن يكون درسًا في العمل بألا يقتصر ظهورهم فقط في مناسبات مرتبطة بتلك الأحداث الأمنية، ولكن عليهم أن يكونوا ظاهرين في كل المناسبات الأخرى، وهو ربما ما يمثل عنصل الفشل الأكبر حت\ى الآن للجالية المسلمة في أمريكا، في هذا الإطار دعا أيضًا لأن تظهر شخصيات مسلمة في الأعمال الدرامية دون أن تكون مرتبطة بالعنف والإرهاب، وهي الظاهرة المؤسفة بالفعل في هوليوود.
ثالثًا: كان من أهم ما أشار إليه أوباما هو أن كثيرًا من العنف الذي يسود الآن في بعض المناطق الإسلامية مرتبط بدوافع طائفية بين السنة والشيعة وغيرهما، يتم استخدامها للسيطرة وتحقيق أهداف سياسية، مطالبًا بمحاربة ذلك الفكر، خاصة أن السنة والشيعة عاشوا معًا لقرون في سلام كما يحدث في الولايات المتحدة الآن. وكانت عبارته التي تحمل تنبيهًا وتحذيرًا في الوقت نفسه: إذا كنا نتوقع احترام الآخرين لمعتقداتنا، فإن علينا أيضًا احترام معتقدات الآخرين.
شيء مدهش أن تأتي هذه المواعظ للمسلمين من رئيس أمريكي غير مسلم وليس من رجال السياسة والدين في العالم الإسلامي.
أوباما قال كل شيء مطلوب في مثل هذه المناسبة، لكن هذه الكلمات سيغمرها النسيان سريعًا، وسيسخر منها المرشحون الأمريكيون للرئاسة، خاصة مع أول عملية إرهابية جديدة من قبل بعض الإسلاميين في أمريكا أو خارجها، وسوف تُستخدم كلمته للتدليل على أنه لا يفهم طبيعة المشكلة التي هي الإرهاب الإسلامي الراديكالي.
ومع هذا تبقي زيارته رسالة هامة للمجتمع الأمريكي بالثوابت التي يجب الحفاظ عليها ولطمأنة المسلمين عمومًا. وقد لفت النظر أن بعض المواقع المحافظة بدأت في مهاجمة الزيارة بمجرد أن تم الإعلان عنها منذ أيام، وتحدث الكثيرون عن ارتباط الجمعية الإسلامية في مدينة بالتيمور التي زارها بالإرهاب وبالإخوان المسلمين ومنظمة حماس وغيرها، كما اهتم بعض المواقع ليس بالخطاب وما فيه/ ولكن بمظاهرة من نحو 5 سيدات أمام المسجد بعضهن مسلمات يطالبن بحقوق المرأة؛ لأنه يتم فصل النساء عن الرجال.
سيعود أوباما إلي البيت الأبيض لينشغل بقضاياه الأخرى الكثيرة، ولكن ستستمر هذه المواقع في بث الفرقة والتشويه الذي يصل أحيانًا لدرجة التحريض ضد الجالية المسلمة؛ لذلك فإن المسئولية الأكبر تقع على الجالية المسلمة في البناء على هذه الزيارة، وهو ما يتطلب عملاً وتنظيميًّا مستمرًا لا يكتفي بالصراخ ومطالبة الآخرين أو الرئيس بالدفاع عنهم، فهي مسئوليتهم في الأساس وتبدأ بأن يكونوا مشاركين وظاهرين في كل الأحداث بدلا من انتظار العملية الإرهابية القادمة لنفي مسئولية الإسلام عن الإرهاب.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة