صرخت امرأة فلسطينية بينما البلدوزر الإسرائيلى يدمر بيتها أمام عينيها: «ألحقونا يا عرب»!!..
قال أهل الفهلوة: «التجارة شطارة» وقال أهل العلم: «السياسة هى فن الممكن» وقال أهل الخبرة: «ان تاريخ العلاقات الدولية هو تاريخ توازن القوى» وقال الواقع : «من معه قرش يساوى قرش» وقال مناحم بيجين: «أن العربى الطيب هو العربى الميت» وقال جمال عبدالناصر: «ان ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة» وقال السادات : «ان حرب أكتوبر هى آخر الحروب»...
صرخت امرأة فلسطينية بينما البلدوزر الإسرائيلى يدمر بيتها أمام عينيها: «ألحقونا يا عرب»!!..
ان كل مقولة من المقولات السابقة قد تستغرق وحدها مقالاً أو عدة مقالات أو ربما كتابا أو كتبا لشرحها وتفسيرها وعرض ما لها وما عليها، وهو عبء تنوء بحمله الجبال، ومن الحماقة أن يقفز المرء إلى هذا الخضم الهائج المائج الذى لا شاطئ له، ولا يبدو أنه سيهدأ إلى يوم الساعة، وربما كانت هناك بعض الجزر المتناثرة التى يمكن الاسترخاء عليها والتأمل، بشرط ألا يغرق المرء فى التفاؤل فيظن أن هناك وصفة سحرية لعلاج كل أوجاع البشر.. ولكن هناك وصفة مضمونة لعلاج أهل الشرق الأوسط من كل أوجاعهم، وهى أن يواصلوا هذا الجنون الذى يمارسونه والذى يقترب الآن من حد حروب مذهبية لن تبقى ولن تذر، أو أن تقذف المنطقة بالقنابل النووية الكافية، كى تزيل من عليها من البشر والحجر مثل عاد وثمود...
ومن المثير للسخرية حرص أعضاء النادى النووى على حظر انتشار الأسلحة النووية، لأنهم يعرفون تمام المعرفة أن معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية (NPT ) هى باختصار عقد إذعان طرفه الأول أعضاء النادى النووى والطرف الثانى هو باقى دول العالم من الدول خارج النادى، حيث ان تلك المعاهدة قد نصت فى مادتيها الثانية والثالثة على أن الدول غير أعضاء النادى يلتزمون بالتخلى عن حقوقهم السيادية فى صناعة الأسلحة النووية، وبقبول تفتيش وكالة الطاقة النووية، إلا أنه فى المقابل تلتزم الدول أعضاء النادى بالتزامات ثلاثة: أولاً: مساعدة الدول غير أعضاء النادى فى تطوير الاستخدام السلمى للطاقة النووية بما يشمل تقديم المعلومات الفنية اللازمة (المادة الرابعة والخامسة) وثانياً: مواصلة التفاوض بنية حسنة لإنهاء سباق التسلح النووى (المادة السادسة)، وثالثاً: عدم مساعدة أى دولة (من خارج النادى) على تصنيع أو الحصول على أسلحة نووية (المادة الأولى) ..
لم تنضم إسرائيل إلى هذه المعاهدة، ومع ذلك فليس هناك شك حالياً أنها عضو منتسب فى النادى النووى، ولا شك أنها تلقت مساعدات لتحقيق ذلك من الدول أعضاء النادى وخاصة فرنسا بالمخالفة لالتزاماتها وفقاً للمادة الأولى من المعاهدة، ورغم أن شعارها المرفوع هو: «أنها لن تكون الأولى التى تدخل السلاح النووى إلى الشرق الأوسط» فان هذا شعار مائع غير مفهوم، فهو قد لا يؤكد امتلاك إسرائيل له، ولكنه لا ينفى امتلاكه أيضاً، وربما المعنى المباشر لهذا الشعار هو أن إسرائيل لن تستخدم هذا السلاح إلا إذا هددت باستخدامه ضدها، ولا يكون ذلك كذلك إلا إذا كانت تمتلكه بالفعل.. والموضوع بهذا الشكل يبدو هزلياً رغم أنه يتعلق بمصائر الملايين فى الشرق الأوسط..
ومن عجائب الزمن أن قادة إسرائيل يدورون بين عواصم العالم للحديث عن «الأمن» المفقود، وأهمية «إجراءات بناء الثقة» حتى تطمئن إسرائيل على وجودها!!..
«الأمن» ليس كعكة يختص بها طرف دون باقى الأطراف، لأنه بهذا المعنى لن يعنى سوى «فرض الأمن بالقوة» وذلك لا يمكن أن يعنى أمناً ولا استقرارا سواء لإسرائيل أو لغير إسرائيل، «الأمن الإقليمى» لا يمكن تصوره سوى فى شكل علاقة تعاقدية متوازنة، ولن يتحقق من خلال «عقد إذعان» يحصل فيه طرف واحد على كل الضمانات ويحتفظ لنفسه فى كل الوقت بوسائل تهديد أمن جيرانه..
ان أهم إجراء من إجراءات بناء الثقة فى «عملية السلام» هو «كسر حاجز الخوف والشك» وذلك لن يتأتى سوى بانضمام إسرائيل إلى معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية وقبولها بتفتيش منشآتها النووية، والتعهد بالتخلص مما تملكه من أسلحة الدمار الشامل، كما أنه سيكون عليها خفض نفقاتها العسكرية وإزالة كل مستعمراتها فى الضفة الغربية ..
وإذا كانت السياسة هى فن الممكن، فإنها أيضاً «إرادة إحداث التغيير والتصميم عليه» وإذا كان تاريخ العلاقات الدولية هو تاريخ توازن القوى، فإن توازن القوى ليس معادلة جامدة ثابتة، ويجب أن يدرك كل من يهمه الأمر أن ثبات الأحوال من المحال، وإذا كانت القوة وحدها لا تعطى شرعية، فإن الذين يملكون الحق لن يستفيدوا بشرعيته إذا لم يكن لهذا الحق قوة تحميه..
وأخيرا إذا كان العربى الطيب «كما قال بيجين» هو العربى الميت، فهناك ملايين العرب الذين يرفضون أن يموتوا أحياء، أو يعيشوا أمواتا، أما شعار السادات بأن «أكتوبر هى آخر الحروب» فهو شعار تكفلت إسرائيل بإثبات أنه مجرد غلاف لخطاب بلا محتوى، حيث ان الحرب فى المنطقة لم تتوقف منذ ذلك التاريخ .. وإذا لم تجد الفلسطينية التى صرخت تنادى العرب صدى لندائها، فإن أجيالا قادمة ستسعى لامتلاك القوة الكافية بما فى ذلك القنبلة النووية لإرغام إسرائيل على إعادة الحقوق، وليكن بعد ذلك ما يكون، لأنه من المؤكد فى أسوأ الحالات أن ذلك الحل سيوفر الراحة الأبدية للجميع!!!...
*ينشر هذا المقال بالتزامن في جريدة الأهرام وبوابة العين الالكترونية*
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة