الكاتب السويسري يوناس لوشر: "البربر" يثيرون الفوضى في العالم
روايته الأخيرة تنتقد أوروبا ورأسماليتها المتوحشة
يوناس لوشر روائي سويسري حلَّ ضيفًا على معرض القاهرة للمشاركة في فعالياته،وأيضًا للحديث عن الترجمة العربية لروايته المثيرة «ربيع البربر»
"ربيع البربر" رواية الكاتب السويسري الشاب يوناس لوشر التي تنتقد بشكل عنيف المجتمعات الأوروبية الحديثة، كانت محور ندوة خاصة في معارض القاهرة شارك فيها كاتبها، والناقد محمود عبد الشكور، وأدارها الناشر شريف بكر (دار العربي للنشر والتوزيع)، وقام بالترجمة من الألمانية إلى العربية والعكس الدكتورة علا عادل.
"من هم البربر في الرواية؟" كان هذا الأبرز الذي راح يوجه بصيغ مختلفة للوشر، "ماذا تقصد بالبربر؟ هل العرب والمسلمون تعدهم بربرًا؟" ليرد الكاتب بوضوح وبحسم "بالنسبة لتعبير "البربر" الواردة في العنوان، فإن هذا العنوان لا يمت بصلة للعرب، إنما أقصد به المصطلح الإغريقي "بارباروس"، والذي يعني أولئك الذين لا يتحدثون الإغريقية، ولاحقًا أصبحت هذه الكلمة تعبيرًا ألمانيًّا يشير إلى أولئك الذين ينشرون الفوضى والفساد في العالم المتحضر. في روايتي، الشباب البريطانيون هم "البربريون" الحقيقيون".
هكذا تحدث يوناس الذي لفته أن السؤال الأكثر حضورًا وتكرارًا، بل يكاد يتردد بذات الصيغ والألفاظ ذاتها، لكنه أوضح أيضًا أن العنوان الذي يبدو أنه استثار حفيظة الكثيرين للوهلة الأولى بدا موفقًا من قبل الناشر الذي نجح في جذب جمهور عريض لمطالعة الرواية ومعرفة من هم البربر؟ وما هو ربيعهم؟
سؤال آخر حول سويسرا "البلد الأجمل أوروبيًّا"، حينها فاجأ لوشر الحضور بقوله: قد يكون هذا من وجهة نظر الذين يعيشون خارجها، لكن ليس بالضرورة أن تكون كذلك لدى من ولدوا بها وعاشوا فيها، روايتي قد تكون أصدق إجابة مني في هذا الصدد، أعتبر أن سويسرا تشبه "السجن"؛ فرغم أنها دولة ديمقراطية جميلة، ولكنها صغيرة ومنعزلة عن العالم والسياسة الخارجية، حتى أصبح الشعب والحكومة فيها حراس هذا السجن، لذا يتطلع أي كاتب سويسري للخروج من هذا الحيز الضيق الذي لا يثير الخيال".
لوشر الذي يعيش في ميونيخ بألمانيا منذ سنوات، عبر عن فرحته في زيارة القاهرة، بالقول: "إنها فرصة رائعة أن ألتقي أصدقاء عرفتهم وأحببتهم في هذه المدينة العجوز، حواراتي معهم تمدني بطاقة وهاجة، أشعر بأنني أفضل وأنا هنا".
من جهته عرَّف شريف بالكاتب الذي حققت روايته «ربيع البربر» نجاحًا ساحقًا في سويسرا وألمانيا، وبقية أنحاء أوروبا، رغم أن تنتقد بعنف المجتمعات الأوربية الحديثة، قائلًا: إن يوناس لوشر من مواليد مدينة برن السويسرية عام 1976، وعمل مدرسًا في مرحلة التعليم الأساسي (الابتدائي) في المدينة ذاتها، ثم قضى بضع سنوات يعمل في مجال صناعة الأفلام (عالم السينما) في ألمانيا، ثم درس في مدرسة ميونيخ للفلسفة سنة 2005، وعقب تخرجه وحصوله على الدراسات العليا في الفلسفة، عمل محررًا أدبيًّا حُرًّا في الصحافة، عمل بعدها باحثًا في معهد العلوم والتكنولوجيا في ميونيخ؛ حيث كان يُدَرِّس مادة "علم الأخلاق" في مدرسة الاقتصاد بالمدينة نفسها، وظل يُحاضر في الأدب المقارن، 9 أشهر، كأستاذ زائر في جامعة ستانفورد (الولايات المتحدة الأمريكية) خلال العامين 2012، 2013.
بكر أضاف أن يوناس حصل على جائزة "بيرنر" للأدب عن روايته «ربيع البربر» سنة 2013، وحاز جائزة "الكتاب الألماني" في القائمة الطويلة، عن الرواية نفسها، والتي نشرتها له الدار الألمانية الشهيرة C.H.Beck.
ثم تحدث محمود عبد الشكور الذي قال، إن هذه الرواية القصيرة الممتعة «ربيع البربر» تمثل نموذجًا ناضجًا وذكيًّا للرواية الأوربية الحديثة، التي تعبر عن قلق حقيقي من انهيار الحضارة، بسبب ضيق الأفق، موضحًا أن الرواية تكشف بجلاء عن أن هذا الثراء الاقتصادي مهدد بالانهيار في أية لحظة، ذلك أنه لم يتواكب مع ثراء أخلاقي يسيطر على الجشع الإنساني، ولا مع ثراء اجتماعي يقنع أهل الأغنياء بأنهم يعيشون في نفس السفينة، مع أولئك الذين لا يجدون قوت يومهم.
عبد الشكور أضاف أننا يمكن أن نعتبر «ربيع البربر» نوفيلا مكثفة، تقول عن طريق فن الرواية ما يعبر عن مأساة قادمة لها شواهدها وسوابقها، موضحًا أن "لوشر" "لوشر" دارس الفلسفة يطرح أسئلة مهمة وفي عمق تأملات الإنسان المعاصر، يعيد تعريف فكرة "البربرية"، يراها سلوكًا معاصرًا نراه في الجشع المادي الأجوف، في تلك الأقنعة الملونة التي تخفي وحشية السيطرة والأنانية، كما ترسم الرواية ملامح الهوة الواسعة بين عالمي الشمال والجنوب.
وتابع عبد الشكور، بالقول إن معظم الأحداث تدور في واحة تونسية، مجرد منتجع سياحي فاخر، وهناك عبارات قليلة عن تغيرات ما بعد الربيع العربي الذى بدأ من تونس، ولكن الرواية ليست عن كل ذلك: إنها عن الإنسان متجردا من أوراق المال التي تغطيه، الإنسان عاريًا من الثراء الوهمي، مما يستدعى "بربرية" كامنة ومخيفة من الأعماق، ليست الرواية عن بربر تونس (كما تصور كثيرون لأول وهلة) الذين اختفوا أمام زحف المنتجعات، ولكنها عن بربرية حديثة، ظهرت معالمها واضحة، في صورة توحش الرأسمالية المخيف.
"العين" رصدت آراء بعض ممن حضروا الندوة الذين عبروا عن أثرها البالغ عليهم، فيقول أحد الحاضرين: "تزعزعت تلك الفكرة الراسخة بأن كل ما هو أوروبي ويتناول العالم العربي أو يتقاطع معه لابد بالضرورة أن يحمل في باطنه "شيئًا ما" غير مرغوب فيه، أو ينبغي الحذر والاحتراس عند التعامل معه، وقراءته، هنا نحن بإزاء رواية "إنسانية" بكل ما تحمله الكلمة، لكاتب أيضًا يتعالى حسه الإنساني الصادق على النزعات والهويات والانتماءات الضيقة والمقيتة، إنه كاتب يكتب عن الإنسان ومن أجله أيضًا".