"بيت صلصال".. ملاذ ذوي الاحتياجات لكسر الخوف بالفن التشكيلي
الفنانة رلى عطالله أسست "بيت صلصال" للاهتمام بذوي الاحتياجات وتنمية مهاراتهم الحسية لدمجهم بالمجتمع وكسر هالة الخوف التي تحيطهم.
إدماج الطفل ذي الاحتياجات الخاصة في المجتمع المحيط به يبدأ من الأسرة، لكن غالبا ما يعامل هذا الطفل بخوف شديد وحذر حتى يصبح مع الوقت منعزلاً مع نفسه، وتتولد لديه رهبة ممن حوله، إلا أن بعض البرامج تقوم على تأهيل هذه الفئة وتمنحهم الحق في إثبات وجودهم وعدم تهميشهم، ما يعني فتح نافذة من الأمل لهم ولذويهم.
في الأردن وحده تقدر نسبة الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة بنحو 13% من مجموع السكان حسب آخر الإحصائيات، وهي نسبة لا يستهان بها تحتاج إلى رعاية وجهود مضاعفة حتى لا يصبحوا عبئا على أسرهم وصولاً إلى الدولة.
من هنا ارتأت الفنانة الأردنية رلى عطالله أن تؤسس "بيت صلصال" تحت مظلة مؤسسة "رواد التنمية" في عام 2007، للاهتمام بهم وتنمية مهاراتهم الحسية من خلال تعليمهم الرسم وإنتاج قطع منوعة من الصلصال، لدمجهم بالمجتمع وكسر هالة الخوف التي تحيطهم.
البداية
تتذكر المشرفة ميسون أيوب اللحظة الأولى للفنان هاني علقم عندما بدأ في بيت صلصال يعلم ذوي الاحتياجات الخاصة كيفية الرسم، وكيف أنهم أصيبوا بالخوف الشديد من مسك فرشاة الألوان، وبعد مدة طويلة شاركوا بلوحاتهم في معارض فنية لاقت ردوداً إيجابية.
تجد أيوب أن التغيير الذي حدث للشباب بعد التحاقهم في بيت صلصال كان تغييرا كبيرا وملموسا، وهذا ما أكده الأهالي، فتقول: "نتعمد أن يكون أسلوب الرسم أو صناعة الصلصال جماعيا، وليس فرديا، فالهدف الأساسي من بيت صلصال هو دمجهم بالمجتمع بعيداً عن العزلة والخجل الذي يحيطهم بسبب حالتهم، فهم يعانون من أمراض معقدة مثل التوحد، ومتلازمة داون، والتخلف العقلي الشديد والمتوسط، والضمور الدماغي وغيرها من التشخيصات التي يصعب تعامل الأسرة معها بشكل طبيعي".
وتضيف أيوب: "لا أنكر أننا واجهنا في البداية صعوبة في إقناع الأهل بإلحاق أبنائهم في بيت صلصال، ولكن بعد مجموعة من النقاشات تمكنا من إقناعهم، ومع الوقت عرضوا لوحاتهم في أربعة معارض مختلفة، ولاقت هذه المعارض قبولاً وتم بيع معظم اللوحات، ومن هذا البيع نوفر لهم الدخل الشهري حتى يساعدوا أسرهم ويساندوا أنفسهم بدلاً من الاعتماد التام على غيرهم، ونحاول أن نطور أعمالهم ليرسموا أيضاً على الأثاث وعلى أقمشة يتم استخدامها لتفصيل الوسادات".
سرد للتجربة
هبة محمد، تبلغ من العمر 23 عاماً، ولديها أربعة إخوة ووالدها لا يعمل حاليا، فضلت المشرفة ألا نذكر الحالة التي تعاني منها بالتحديد، احتراماً لها، وتقول هبة بلغة بسيطة: "أحب رسم الورود والأسماك والشجر. وأصبح لدي صديقات في بيت صلصال أقضي أوقاتي معهم، وفي كل يوم أفكر ماذا أريد أن أرسم أنا وصديقاتي، وعندما شاهد أهلي اللوحات التي أرسمها مع صديقاتي قالوا لي "برافو"، لانها جميلة وشعرت وقتها بالفرح".
أما سوسن، التي تبلغ من العمر 22 عاماً، فهي تأتي لبيت صلصال مع عماتها ويتشاركن سوياً مع الفريق الموجود في الرسم وصناعة الصلصال، وتقول: "أحب الرسم ولكن ما أحبه أكثر هو صناعة الصلصال، فنصنع الصحون وأواني خاصة لزراعة النباتات بالإضافة إلى قواعد للشموع وغيرها، أقضي يوميا ساعتين أتدرب بهما وأنا سعيدة".
والدة الشاب أيمن، وهو منضم لبيت صلصال تعترف أن نظرة المجتمع تغيرت لابنها، فالآن أصبحوا ينظروا له كفنان بعدما رأوا اللوحات التي شارك بها، في القديم كان يخاف من مخالطة الناس، ولكن بعد التحاقه وتعرفه على الشباب أصبح مندمجا ولا يخاف الناس، فتعلمه للرسم ولصناعة الصلصال غير كثيراً في شخصيته وجعله أكثر فعالية في المجتمع.
ويقول الفنان التشكيلي هاني علقم إن بيت صلصال هو مشروع قائم في أساسه على تنمية قدرات الشباب من فئة ذوي الاحتياجات الخاصة على الرسم، حتى يفرغوا طاقاتهم السلبية ويعبروا عما داخلهم من مشاعر، والورشات القائمة في بيت صلصال سواء أكانت رسما أم تدريبا على صناعة الصلصال وغيرها، ما هي إلا تمرين ذهني سايكولوجي لهم، وتطوير رؤيتهم لذاتهم وللحياة ومن حولهم.
ويشارك الآن في ورشات الرسم وصناعة الصلصال 17 شابا وشابة، تتراوح أعمارهم بين 18 و30 عاما، ويقول علقم: "أشرف عليهم بالرسم، في البداية لم يكونوا قادرين على مسك فرشاة الرسم، أما الآن فقد تغير الحال، كفنان تشكيلي أنظر للوحاتهم على أنها تجسيد عميق للحالات الوجدانية التي يعيشونها، فمن خلال الرسم يعبرون عن ضغوطات المجتمع وعن أفكارهم، وفي نهاية المطاف هم بشر لهم الحق في الحياة والشعور بأنهم جزء أساسي ممن حولهم".
aXA6IDMuMTQ1LjEwNS4xNDkg جزيرة ام اند امز