فالفائز الأكبر من انتخابات آيوا كان السناتور ماركو روبيو ذو الأربعة والأربعين عاما، الذي حقق المركز الثالث بفارق ضئيل عن كروز وترامب
هناك نزعة لدى بعض المراقبين للتقليل من أهمية المناظرات الرئاسية، حيث كثيرا ما ينتهي الأمر في الانتخابات بفوز الشخص الذي اعتقد الكثيرون أنه الخاسر في المناظرات. أكبر دليل على ذلك كان الرئيس السابق جورج دبليو بوش (الجمهوري) الذي تعرض لما يشبه (المرمطة) من جون كيري عندما كان مرشح الحزب الديمقراطي للرئاسة عام ٢٠٠٤، لكن أُعيد انتخاب بوش ولم نسمع بعد عن الرئيس كيري.
رغم ذلك يظل لهذه المناظرات قيمتها الكبرى ليس فقط لما تمثله من عنصر تسلية وإثارة، ولكن لأنها أحيانا تكون حاسمة. فلايزال الكثيرون يذكرون لرونالد ريجان اللحظة التي أحبط فيها الرئيس في ذلك الوقت جيمي كارتر عام ١٩٨٠، عندما حاول كارتر تكرار بعض انتقاداته فرد ريجان بأداء ممثل محترف: ها أنت تعود إليها مرة أخرى، واعتبرها البعض نهاية السباق الرئاسي لصالح ريجان الذي عاد بعدها بأربع سنوات ليفعل بنائب الرئيس السابق والتر مونديل ما سبق أن فعله بكارتر عندما رد بسخرية على الحديث بشأن كبر سنه قائلا إنه لن يستغل المناظرة للحديث عن شباب مونديل وقلة خبرته.. فضحك الجميع ومنهم مونديل ومرة أخرى اعتبرها البعض نهاية السباق.
ما يدعو لاستعادة تلك المواقف هو ما دار في المناظرة الجمهورية مساء السبت في ولاية نيوهامشير قُبيل إجراء الانتخابات التمهيدية بها لاختيار مرشحي الحزبين الجمهوري والديمقراطي للرئاسة يوم الثلاثاء. أهمية المناظرة أنها تأتي في أعقاب انتخابات ولاية آيوا التي فاز بها السناتور تيد كروز بين الجمهوريين وفازت بها هيلاري كلينتون بين الديمقراطيين بفارق ضئيل للغاية.
لم يكن للمناظرة الديمقراطية مساء الجمعة تأثير كبير نظرا لأن المنافسة شبه محسومة لصالح المرشح اليساري بيرني ساندرز في الولاية التي تميل له كثيرا، بينما تعتمد هيلاري على انتقالها بعد ذلك للجنوب بداية من ساوث كارولينا لاستعادة زمام المبادرة. لكن الوضع مختلف تماما وأكثر إثارة على الجانب الجمهوري.
فالفائز الأكبر من انتخابات آيوا كان السناتور ماركو روبيو ذو الأربعة والأربعين عاما، الذي حقق المركز الثالث بفارق ضئيل عن كروز ودونالد ترامب. واعتبر البعض أنه في طريقه لإزاحة منافسيه من تيار "مؤسسة الحزب" من طريقه بحيث يتم حشد مؤيديهم جميعا خلفه وتحديدا حكام الولايات كريس كريستي وجون كاسيك وكذلك جيب بوش. لذلك فإن معارك هؤلاء هذا الأسبوع لم تكن ضد ترامب أو كروز بل ضد روبيو الذي بدا كمن يصعب إيقافه رغم سيل الانتقادات التي تم توجيهها إليه.
كريس كريستي حاكم ولاية نيوجيرزي المعروف بقدارته الهائلة على الاشتباك اللفظي ربما تكون هذه معركته الأخيرة، ونقلت صحيفة نيويورك تايمز أنه تحالف بشكل سري مع بوش للقضاء على التهديد المشترك لهما: روبيو. لكن بوش لا يجيد هذا النوع من الاشتباكات اللفظية، وعندما جرّبه مع روبيو في مناظرة سابقة بدا كما لو كان في خناقة شوارع مع مايك تايسون وتعرضت حملته بعدها للانهيار. لكنه لا تزال لديه ملايين كثيرة جمعها من المتبرعين المرتبطين بأسرته، ففعل ما يناسبه أكثر وهو الإعلانات الغزيرة ضد روبيو. أما كريستي فليست لديه أموال فلجأ لما يجيده أكثر وهو المهاجمة الشخصية. فعل ذلك كثيرا على مدى الأسبوع الماضي في المؤتمرات الانتخابية، وكان السؤال: هل يمكنه أن يفعلها وجها لوجه مع روبيو في مناظرة السبت؟
ولم يكن ما قاله جديدا، فقد اتهم روبيو كثيرا بضعف الخبرة وعدم استعداده لمنصب الرئيس. لكن المفاجأة كانت في ردود روبيو. فقد كان يعلم أن ذلك الهجوم قادم وكان من المتوقع أن يستعد له. لكنه رد بالتحول إلى الهجوم على الرئيس أوباما وأنه يريد تحويل أمريكا إلى دولة عادية بينما هو (روبيو) سيستعيد مكانتها كدولة متميزة. لكن كريستي عاد وقال إنه لم يُجب عن السؤال فرد روبيو بنفس الكلام عن أوباما، هنا تدخل كريستي بأنه يكرر عبارة من ٢٥ ثانية حفظها عن بعض مساعديه فإذا بروبيو يرد عليه بتكرار نفس العبارة بصورة جعلت الجميع يفتح عينيه دهشة. وقد حاول روبيو بعدها أن يستعيد قدراته المعروفة في المناظرات لكن الضرر كان وقع بالفعل ولم يعد من الممكن احتواؤه.
لكن إلى أي حد كان الضرر؟
لا يمكن القول إن حملة روبيو قد انتهت، لكنه على الأقل أعاد الأمل مرة أخرى لحكام الولايات الثلاثة الذين كانوا على وشك الرحيل بعد نيوهامشير، وربما أعطى أيضا ارتياحا للديمقراطيين الذين يخشون روبيو اكثر من أي مرشح آخر.
لكن المؤكد أن روبيو سيتأثر، حيث كانت استطلاعات الرأي قد وضعته في المركز الثاني بعد ترامب، ويعتقد الكثيرون الآن أنه ربما يتراجع، وبالتالي يُفتح باب المنافسة من جديد بين ممثلي "مؤسسة الحزب"، ويعود حكام الولايات لفرض وجودهم في السباق إلى البيت الأبيض.
لا أنكر أنني كنت سعيدا بهذا التطور، فروبيو من وجهة نظري يمثل امتدادا للفترة الأولى لجورج دبليو بوش لأن بوش غيّر أداءه بعض الشيء في فترته الثانية وقام بتحجيم نفوذ نائبه ديك تشيني وأبعد كثيرا من عناصر المحافظين الجدد الذين دفعوه إلى مغامرة غزو العراق، ولولا تعثر المغامرة لربما نجحوا في إغرائه بغزو إيران. لكن روبيو يعود بنفس عقلية الفترة الأولى لبوش مع نفس مجموعة المحافظين الجدد ويكرر كثيرا من المصطلحات المرتبطة بهم مثل "القرن الأمريكي الجديد"، وهو أمر لم يعد يمكن للعالم أن يحتمله. بوش واحد يكفي.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة