سياسة
رائحة "الذئاب المنفردة" تفوح من تفجيرات باريس
" كيف تستطيع التنظيمات الإرهابية تنفيذ هجماتها الإرهابية، رغم التشديدات الأمنية"؟
في الوقت الذي كانت فيه باريس تشهد حالة طوارئ أمنية تحسبًا لوقوع هجمات إرهابية قبل مؤتمر عالمي للمناخ من المقرر افتتاحه في وقت لاحق من الشهر الجاري، وقعت تفجيرات باريس أمس الجمعة، لتثير تساؤلًا هامًا وهو "كيف تستطيع التنظيمات الإرهابية الولوج إلى الدول الأوربية وتنفيذ هجماتها الإرهابية، رغم التشديدات الأمنية".
طارحو السؤال، لا يخفون مبرراتهم المنطقية لطرحه، قائلين: "ما هذه القدرة الجبارة للتنظيم الإرهابي، الذي تعجز الدول عن وقفه، فينجح في مهمته بباريس، ومن قبلها في بيروت".
الإجابة على السؤال تقودنا إلى طريقة التعامل مع التنظيمات الإرهابية، والتي من المفترض أن تسير في اتجاهين، أحدهما أمني، وهو أمر مطلوب لا يختلف عليه أثنان، والآخر فكري، وهو الغائب، ومنه تنفذ التنظيمات الإرهابية إلى المجتمعات عبر ما يعرف بـ "الذئاب المنفردة".
و"الذئاب المنفردة" تكتيك تلجأ له التنظيمات الإرهابية عندما يتم تضييق الخناق عليها، ويعني قيام شخص أو مجموعة، لا يخضعون لها تنظيميًا، ولكن يؤمنون بأفكارها، بالتخطيط والتنفيذ لبعض العمليات الإرهابية استنادًا إلى إمكاناتهم الذاتية.
وتلعب "الفكرة" دورًا هامًّا في جذب هؤلاء الذئاب، ليدينوا بالولاء لهم، رغم عدم انضمامهم له تنظيميًّا، وهو ما يظهر بشكل واضح في خطاباتهم، والتي تستخدم دائمًا المفردات والعبارات التي تلعب على المشاعر الدينية.
ويغيب عن الأجهزة الأمنية مقاومة الفكرة بـ "الفكرة"، ويظل التعامل الأمني هو السبيل الوحيد، الأمر الذي يوجد أرضية خصبة تسمح بوجد صدى لخطاب كالذي أصدره أبو محمد العدناني، المتحدث الرسمي باسم تنظيم “الدولة الاسلامية” في سبتمبر من العام الماضي.
العدناني دعا في خطابه الذي جاء بعد إعلان أمريكا تشكيل تحالف دولي لمواجهة "داعش"، إلى "استنفار أي مقاتل أو نصير أو موحّد، استعدادًا لمواجهة الحملة الصليبية".
وبعد ثلاثة أشهر من هذه الدعوة، قام عدة أشخاص، باحتجاز رهائن في مقهى "ليندت" في شارع "مارتن بلاس" بمدينة سيدني، وأغلقوا أبوابه، وجعلوا العاملين فيه يرفعون علمًا أسود، يشبه علم تنظيم "الدولة الاسلامية"، الأمر الذي دفع باحثين مختصين في مجال مكافحة الإرهاب، إلى القول حينها أن "الذئاب المنفردة تطل برأسها في هذا الحادث".
وأمس وقعت تفجيرات باريس رغم التشديدات الأمنية، بما يؤكد ما ذهب إليه جاسم محمد الباحث العراقي في مجال مكافحة الإرهاب، من أن خطورة الذئاب المنفردة، تكمن في صعوبة متابعتها أمنيًّا.
وذهب الباحث العراقي في مقال نشرته له صحيفة "القدس العربي" في 13 يناير/ كانون ثان الماضي، إلى أن مكمن الصعوبة يتلخص في أن الشبكات المنظمة يمكن أن يتوافر عنها بعض المعلومات، بينما "الذئاب المنفردة" تكون هناك صعوبة في متابعتها لنقص أو غياب المعلومة؛ لأنهم في العادة أشخاص غير معروفين للجهات الأمنية.
ويؤرخ المهتمون بملف الحركات الجهادية إلى عام 2001 كبداية لبزوغ تكتيك "الذئاب المنفردة"، والذي يتم اللجوء إليه عندما يعجز التنظيم المركزي على توسعه نشاطه، للتضييق الأمني.
وما أشبه الليلة بالبارحة، كانت بداية ظهور هذا التكتيك مع تشكيل الولايات المتحدة الأمريكية بعد حادث 11 سبتمبر/ أيلول 2001 الشهير تحالفًا دوليًّا لمقاومة الإرهاب، وقاد هذا التضييق إلى اللجوء إلى عمليات "الذئب المنفرد"، واليوم كان الدافع بعد تشكيل الدولة نفسها لتحالف لمقاومة داعش.
ويقول جان بيار فيليو، الدبلوماسي والأستاذ المشارك في معهد الدراسات السياسية، في كرسيّ الشرق الأوسط، في دراسته لأيديولوجيا الجهاديين التي نشرتها النسخة العربية من صحيفة "لوموند دبلوماتيك" ، في فبراير/ شباط 2012: "أن الحيّز الافتراضي (شبكة الإنترنت) هو الوسيلة التي تلجأ لها التنظيمات الإرهابية لجذب الذئاب المنفردة، بعد أن تجبرها الضغوط الأمنية على خسارة الحيّز الجغرافي".
فهل سيواصل الأمن اقتصاره في مواجهة الإرهاب بـ "القبضة الأمنية"، أم سيضيف إلى ذلك استخدام الفكرة أيضًا، لصيد الذئاب المنفردة؟ .. من واقع ما سبق، فإن استمرار نفس الأسلوب، سيجعل العالم يفيق كل فترة على تفجيرات أخرى أشبه بتفجيرات باريس.