أصبح واضحاً أنه كلما اقتربنا من تطبيق نصوص الدستور، ثارت أمامنا العقبات والمشاكل وتزداد تفاقماً بتصادم الآراء والخلاف حول كيفية التطبيق
أصبح واضحاً أنه كلما اقتربنا من تطبيق نصوص الدستور، ثارت أمامنا العقبات والمشاكل، وتزداد تفاقماً بتصادم الآراء والخلاف حول كيفية التطبيق، ويواجه مجلس النواب مع بداية عهده منذ 10 يناير أى منذ شهر وحتى الآن، معضلات ثلاث،
أولى هذه المعضلات: التزام الأعضاء بالتفرغ لمهام العضوية والاحتفاظ بالوظيفة وسداد المراتب، وثانيها: تغير الصفة التى تم انتخاب العضو على أساسها ، والثالثة: لائحة المجلس نفسه، صحتها أو بطلانها، وصدورها بقانون ومراجعة مجلس الدولة لها.
اما عن المعضلة الأولى: التى تخص تفرغ النائب لمهام العضوية والاحتفاظ بالوظيفة أو العمل وتقاضى راتبه.
وقد صارت التزاماً دستورياً وواجباً قانونياً، على حضرات النواب جميعاً دون استثناء المنتخبين منهم والمعينين، صاحب وظيفة أو عمل فى أى جهة حكومية أو غيرها، وقد ورد الالتزام الدستورى ولأول مرة بالمادة 103 من الدستور، وكذلك المادة 31 من قانون مجلس النواب، وتعتبر المادة 47 من القانون أن كل مخالفة لعضو مجلس النواب للواجبات المنصوص عليها إخلال بواجبات العضوية، وهو خطاب مُلزم وموجه الى العضو.. وإلى مجلس النواب.. وإلى الجهات المعنية بالوظيفة أو العمل، ويترتب على مخالفة هذا الالتزام إخلال بواجبات العضوية.. توجب إسقاط العضوية بالمادة 110 من الدستور بأغلبية ثلثى أعضائه.
فماذا يفعل مجلس النواب.. والسادة النواب.. والجهات التى يعملون بها فى مواجهة هذه المعضلة التى ينص عليها الدستور لأول مرة، خاصة ان ما ورد بالاعمال التحضيرية لهذا النص أن الالتزام بدفع الراتب أو الأجر والاحتفاظ بالوظيفة أو العمل واجب على الحكومة والقطاع العام وقطاع الاعمال دون غيرها، ليؤكد ذلك أن الالتزام بالتفرغ من مهام العضوية يلزم النواب جميعاً، وتؤدى مخالفة ذلك إلى إسقاط العضوية، اما الاحتفاظ بالوظيفة واداء الاجر فهو يخص العاملين بالحكومة والقطاع العام وقطاع الاعمال العام فقط.
اما عن المعضلة الثانية: فإنها تخص السادة النواب.. الذين اعلنوا تغير صفتهم أو سقطت عنهم.
وبنص المادة 6 من قانون مجلس النواب فإنه يشترط لاستمرار العضوية بمجلس النواب أن يظل العضو محتفظاً بالصفة التى تم انتخابه على أساسها، فاذا فقد الصفة سواء كان ذلك بإرادته أو سقطت عنه ولو بغير إراداته، فإنها تؤدى إلى إسقاط العضوية بقرار من مجلس النواب بأغلبية ثلثى أعضاء المجلس، وبالمناسبة فلقد عرض هذا النص على المحكمة الدستورية، ولم تر فيه عواراً دستورياً.. اذ أكدت المحكمة بمساواة الرجل والمرأة فى هذا الجزاء، وحكمت بعدم دستورية النص الذى كان يستثنى المرأة من سقوط العضوية.
والسؤال ماذا سيفعل المجلس الموقر فى مواجهة الانسحابات وإسقاط الصفة.. بشأن السادة النواب الذين غيروا صفتهم أو أجبروا على الانسحاب وسقطت عنهم، وتغيرت صفتهم التى تم اختيارهم على اساسها ، سواء كان العضو حزبياً أو مستقلاً، كيف يواجه المجلس هذه المعضلة وهى رد فعل لما كان يحدث سابقاً، بالترحيب بتغير الصفة والارتماء فى أحضان الحزب الوطنى والطلاق ثلاثاً من أى صفة أخرى!! وبالمناسبة.. فإنه لا يحق للمجلس الانحياز أو الالتفاف حول النص بالعودة الى " سيد قراره " وعدم إسقاط العضوية، لأن ذلك خروج على القانون، وعلى مقتضى واجب العضوية، واستهانة بإرادة الشعب، ويحق لأى مواطن فى البلاد أن يقاضى العضو والمجلس.. والحزب، مطالباً بإسقاط العضوية!!
اما عن المعضلة الثالثة وهى الأكبر.. لأنها تخص لائحة مجلس النواب.. والتى سوف تحكم أعماله على مدى حياته.. ويترتب عليها صحة أو بطلان أعمال المجلس!!
فاللائحة ولأول مرة بنص المادة 118 من الدستور، " يضعها المجلس لتنظيم العمل وممارسة اختصاصاته، وتصدر بقانون "، وهو ذات الحكم الوارد بالمادة 49 من قانون مجلس النواب، فلا تطبق اللائحة بمجرد إعداد المجلس لها وإنما يجب أن تصدر بقانون، وهو حكم مستحدث.. وحتى صدور هذا القانون يظل المجلس مرفوعا من الخدمة فى شأن ممارسة أعماله. ثم ماذا عن كيفية إعداد اللائحة وصياغتها ومراجعتها.. فهل سيعرض المجلس مشروع اللائحة على مجلس الدولة لمراجعتها قبل إصدارها أم سيبعث بها إلى الرئيس لإصدارها بقانون دون مراجعة، وعندئذ هل سيصدرها الرئيس بقانون دون مراجعة صياغتها من مجلس الدولة.. أم ماذا؟
الأمر هنا ليس خلافاً نظرياً، وإنما تأتى أهميته بالنظر إلى القضية المثارة حالياً داخل أروقة مجلس الدولة فى قسم التشريع.. وما حكم القضاء الإدارى به حديثاً بجلسة 26 يناير 2016 بالبطلان استناداً الى اختصاص مجلس الدولة بمراجعة وصياغة التشريع بالمادة 190 من الدستور، رغم أن هذه القضية قد أثيرت من قبل منذ سبعين عاماً، بشأن وجوب عرض اللائحة على مجلس الدولة.. للمراجعة.. أم أن الأمر جوازى، واذا كان وجوبياً فهل تلتزم الجهة بما انتهت اليه المراجعة، وهل يترتب على مخالفتها وعدم العرض البطلان، ويستند المجلس فى قضائه.. إلى ما ورد بالمادة 190 من الدستور على إختصاص مجلس الدولة.. على الرغم من أن هذا الاختصاص مقرر بنصوص القانون منذ إنشاء مجلس الدولة عام 1946 بالمادتين 11، 14، وأيضاً بالمادة 35، وقد أختلفت الاحكام القضائية بشأنها منذ قضاء السنهورى بجلسة 26 فبراير عام 1952!! وبعدها قضاء العليا برئاسة " سعد الدين الشريف " بجلسة 21/6 السنة السابعة، وأن عدم العرض لا يرتب البطلان، كما أثيرت عند مناقشة المادة 35 من القانون رقم 9/49، ومضابط مجلس النواب بالجلسة رقم 33 فى 16 يونيو 1948 ومعارضة وزير العدل وقتئذ، ليعود الينا الجدل بعد سبعين عاماً.. ليواجه مجلس النواب معضلة دستورية جديدة.. قد تهدد اللائحة، وعمل المجلس بالبطلان!!
والغريب أن الذى يفتش عن هذه المعضلات فى الأعمال التحضيرية للدستور ومناقشاته فلا يجد عوناً.. لأنها مناقشات متغيرة متقلبة.. لم تتجه الى قبلة واحدة فى مواجهة تلك المعضلات الدستورية التى تواجه مجلس النواب ولأول مرة!!
*ينشر هذا المقال بالتزامن في جريدة الأهرام وبوابة العين الالكترونية*
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة