شرطة حبيب العادلى نفت التهمة وطرمخت على الامينين، واجبرت الطب الشرعى على اصدار تقرير يقول ان الشاب انتحر بابتلاع البانجو!!!
فى يونية ٢٠١٠ قام اثنان من امناء الشرطة بقتل الشاب خالد سعيد فى الاسكندرية بحشر لفافة من البانجو فى فمه. شرطة حبيب العادلى نفت التهمة وطرمخت على الامينين، واجبرت الطب الشرعى على اصدار تقرير يقول ان الشاب انتحر بابتلاع البانجو!!!. وعندما هاج الرأى العام تم تشكيل لجنة من اساتذة كليات الطب وأعادت تشريح الجثة وأكدت أن أمينى الشرطة قتلوا خالد سعيد.
هذا الحادث كان إحدى الشرارات الرئيسية ــ وليس كلها ــ التى اطاحت بحسنى مبارك وجزء من نظامه، وعلينا تذكر ان الصفحة الرئيسية على الفيسبوك التى دعت لمظاهرات ٢٥ يناير ٢٠١١ كانت تحمل اسم خالد سعيد.
تخيلوا ماذا كان سيحدث لو ان الشرطة وقتها «لم تأخذها العزة بالاثم ولم تركب دماغها»، وقررت تحويل أمينى الشرطة إلى النيابة، وجعلت العدالة الناجزة والفعلية تأخذ مجراها؟!!!.
لو حدث ذلك وكان منهج الشرطة الاساسى هو عدم حماية المخطئين فربما ما كانت هناك شرارات للثورة.
مر اكثر من خمس سنوات على الحادث، وكل شخص عاقل اعتقد ان الشرطة اتعظت مما حدث فى ٢٥ يناير، وانها لن تكرر نفس الاخطاء، لكن للاسف الشديد جاءت جريمة اعتداء أمينى الشرطة على اطباء مستشفى المطرية التعليمى قبل نحو اسبوعين، لتؤكد ان المنهج لم يتغير وأن العقلية مازالت كما هى.
السؤال البديهى الذى يسأله كثيرون هو: لماذا تحاول وزارة الداخلية حماية امناء الشرطة الذين ضربوا واهانوا واذلوا الاطباء؟
بالعقل والمنطق البسيط، كان ينبغى على الوزارة ان تسارع إلى التبرؤ من فعلتهم الشنعاء، وتعلن بوضوح انهم لا يعبرون عن سياستها ثم تترك النيابة العامة تحقق وللقضاء ان يقتص.
لكن الذى حدث ان الشرطة بذلت جهودا جبارة لاقناع الاطباء بالتصالح والتنازل عن البلاغ، ولو انها بذلت نصف هذا الجهد لمحاسبة الامناء ما كنا قد وصلنا إلى هذه الحالة.
سألت مسئولا بارزا فى وزارة الداخلية ــ قابلته صدفة اثناء افتتاح الرئيس عبدالفتاح السيسى لبعض المشروعات يوم السبت الماضى فى مدينة اكتوبر ــ لماذا تتسترون على الامناء ولماذا تركتم الامور تتفاقم إلى هذه الدرجة؟!.
الرجل انكر كل ذلك وقال اننا طبقنا القانون فورا، حيث تمت احالتهم إلى المحاكمة التأديبية، وبعدها سيتم احالتهم اغلب الظن إلى الاحتياط، وهى خطوة قد يتلوها طردهم من الخدمة نهائيا. يضيف هذا اللواء انه لا يمكن قانونا القفز فورا إلى طردهم مباشرة من الخدمة الا عبر تسلسل الاجراءات طبقا للقانون، وينفى أى تواطؤ من الوزارة، مع الامناء.
المشكلة الجوهرية التى لا تعيها كل قيادات الوزارة وللاسف قيادات الحكومة، هى غياب السياسة التامة، هى لا تدرك ان معظم الرأى العام بدأ ينقلب ضدها.
فى السياسة ليس مهما التفاصيل بل احيانا ليس مهما من المخطئ ومن المصيب، بل ما يصل للناس من انطباعات.
وما وصل للناس هو ان الشرطة عادت للتكبر وانتهاك آدمية المواطنين.
امينان للشرطة تسببا بصورة أو بأخرى فى اسقاط مبارك، وانهيار الشرطة بعد ٢٨ يناير، فلماذا لا تتعظ الشرطة وتقرأ التاريخ القريب جدا؟!!.
لماذا تترك امينين اخرين فى المطرية ومعهما ستة امناء اخرين متطوعين ان يجهزوا على ما بقى لها من سمعة، ويجعلها تخسر علاقتها مع كل الاطباء وجزء كبير من المهنيين؟!.
لماذا يقبل الشرفاء والمحترمون فى الشرطة ان يضيع كل عملهم وجهدهم هباء امام حماقة وسادية وشذوذ بعض الافراد القلائل؟
لماذا تسمح الوزارة ان يهدر بعض الامناء المنحرفين تضحيات آلاف الجنود والضباط الذين استشهدوا أو اصيبوا وهم يواجهون الارهاب من اجل امن واستقرار المجتمع؟!.
على وزارة الداخلية ان تتخذ قرارا استراتيجيا بالتخلص من الافراد والجنود والامناء والضباط الساديين داخلها، وان تبدأ فورا فى اعادة تأهيل افرادها بأنهم جزء من المجتمع وليسوا انصاف آلهة، وأن مهنتهم لا تعطيهم الحق فى انتهاك كرامة المواطنين.
*ينشر هذا المقال بالتزامن في جريدة الشروق المصرية وبوابة العين الالكترونية*
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة