ترامب الآن يتجه إلى المعركة القادمة في ولاية ساوث كارولينا بثقة أكبر، لكنه أمام تحديات جديدة في أولى الولايات الجنوبية
ربما كان أكثر الأرقام إزعاجا -وإن لم يكن مفاجئا- عند استطلاع رأي الناخبين في مقرات التصويت هو أن ستة وستين في المائة من الناخبين الجمهوريين يؤيدون دعوة المرشح الجمهوري دونالد ترامب لمنع دخول المسلمين الولايات المتحدة. فإذا كان هذا هو الحال في ولاية شمالية ساحلية معروفة باعتدالها، لنا أن نتصور الحال في ولايات الجنوب التي ستتجه إليها الانتخابات.
في الوقت نفسه لفت نظري كلام أحد الناخبين بأنه حسم موقفه لصالح ترامب بعد أن سمعه يقول: إننا نرسل الوظائف إلى المكسيك ، وهي ترسل لنا المخدرات والمجرمين والمهاجرين غير الشرعيين.
وبصرف النظر عن رأينا في مواقف ترامب فإن المهم هو أنها تجد صدى كبيرا لدى هؤلاء الناخبين. السبب في اعتقادي ليس مرتبطا بمضمون ما يقوله، فهناك آخرون يتبنون مواقف مشابهة، لكنه يعود بشكل أساسي للطريقة الشعبوية التي يتحدث بها وباللغة المباشرة التي تخاطب الناخب العادي البسيط خاصة محدودي التعليم والدخل، والنتيجة كانت تفوقه بالحصول على ٣٥٪ من الأصوات بفارق كبير عن أقرب منافسيه السناتور تيد كروز.
المدهش في الأمر أن ترامب ليس فقط رجل أعمال وملياردير، لكنه ليس عصاميا يمكن أن يثير خيالات هؤلاء البسطاء بقصة نجاح تعبر عن الحلم الأمريكي. فقد كان والده رجل أعمال ناجح أيضا، وعاش حياة مرفهة منذ مولده، لكنه مع ذلك قادر على التواصل مع الناس بلغة تصل أحيانا إلى حد الابتذال غير المسبوق. ففي مؤتمر انتخابي في الولاية وصفت سيدة منافسه السناتور تيد كروز بلفظ سوقي يعبّر عن عضو المرأة الجنسي، فإذا بترامب ينقل عنها الكلمة أمام الميكروفون مرتين قبل أن يعبّر ساخرا عن استهجانه لاستخدام ذلك التعبير. نحن إذن أمام مرشح غير تقليدي يقبل منه مؤيدوه ما لم يكن متصورا في السابق، حتى إنه ذكر يوما إنهم سيتمسكون به حتى لو أطلق النار على شخص ما.
ترامب الآن يتجه إلى المعركة القادمة في ولاية ساوث كارولينا بثقة أكبر، لكنه أمام تحديات جديدة في أولى الولايات الجنوبية، حيث تزداد نسبة المحافظين والإنجيليين التي تميل إلى تيد كروز. صحيح أن هذا التيار لم يصل ممثلوه من قبل إلى خط النهاية ومنهم مايك هاكابي عام ٢٠٠٨ و ريك سانتورم منذ أربعة أعوام. لكن كروز يتميز عنهم بتوافر الأموال والتنظيم الجيد، لذلك بدأ ترامب المعركة في الولاية بحملة إعلانية قوية ضد كروز.
لكن الإثارة الحقيقية في انتخابات نيوهامشير لم تكن في القمة ولكن في معركة الهروب من القاع خاصة بين من يمثلون ما يعرف بتيار مؤسسة الحزب حيث هناك أربعة منافسين أبرزهم السناتور ماركو روبيو الذي واجه لحظة ربما تذكر في تاريخ المناظرات عندما أخذ يكرر نفسه أكثر من مرة في المناظرة الأخيرة تحت ضغط من منافسه في نفس التيار كريس كريستي حاكم نيوجيرزي. وقد فقد روبيو قوة الدفع التي خرج بها من انتخابات ولاية آيوا وحصل على المركز الخامس بنسبة عشرة في المائة في نيوهامشير، لكن كريستي الذي طعن روبيو لم يكن المستفيد من انهياره وانتهى في المركز السادس بنسبة ٨ في المائة.
الفائز المباشر من تراجع روبيو كان حاكم ولاية أوهايو جون كاسيك الذي حصل على المركز الثاني بنسبة ١٦٪ لكنه أمضى كل وقته منذ البداية في نيوهامشير، وليس لديه تنظيم أو أموال تساعده في المرحلة القادمة. لذلك فإن الفائز الحقيقي من تراجع روبيو كان جيب بوش الذي حصل على المركز الرابع بنسبة ١١٪، ورغم أن الرقم ليس كبيرا لكنه كان كافيا ليعيد إليه الأمل، واعترف للناخبين في الولاية بأنهم بثوا الحياة من جديد في حملته الانتخابية التي ردد الكثيرون كلمات نعيها.
وبوش لديه أموال كثيرة وتنظيم جيد في ساوث كارولينا وبها شعبية مستمرة لشقيقة الرئيس السابق جورج بوش ويمكن لو خرج منها فائزا أن يقنع مؤيديه بأنه المعبر الحقيقي عن مؤسسة الحزب وليس ماركو روبيو، الذي كان أحد أتباع بوش عندما كان حاكما لولاية فلوريدا، لذلك فإن الصراع بين الاثنين أخذ منحى دراميا أو "شكسبيريا" على حد تعبير أحد المعلقين. وبوش أنفق الكثير من الأموال في إعلانات ضد روبيو لتكريس المعنى الذي ظهر في المناظرة وهو أنه "روبوت" يكرر عبارات محفوظة، وقال مؤخرا إنه ثبت عدم استعداده لتولي منصب الرئيس. فإذا بمدير حملة روبيو يرد بأن استمرار بوش في الانتخابات سيساعد على فوز دونالد ترامب بترشيح الحزب.
المدهش أن هذا الكلام صحيح لكنه ينطبق على روبيو وبوش معا. لأن نسبة الناخبين لمجموعة مؤسسة الحزب وصلت إلى نحو ٤٨٪ في الولاية، لكنها موزعة على أربعة مرشحين (روبيو، بوش ، كاسيك، كريستي). لكن على روبيو الآن أن يثبت أنه ليس الشخص الذي سيهدي ترشيح الحزب لترامب.
فكريستي ربما لن يمكنه الاستمرار بعد أدائه السيئ في نيوهامشير، وكاسيك ليس لديه الدعم الكافي ماديا وتنظيميا للاستمرار، إذن فالمعركة الحقيقية ستظل بين الحليفين السابقين بوش وروبيو. ماذا إذن عن الحزب الديمقراطي وهل يعني معركة طويلة لم تكن متوقعة بين هيلاري كلينتون وبيرني ساندرز؟ هذا ما يبدو عليه الحال الآن، وهو ما نتناوله في المقال القادم.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة