الشفافية مطلوبة بشدة لكى نتجاوز جميعا هذه المرحلة الصعبة التى تمر بها مصر، لكن هل تعرف الحكومة معنى الصراحة؟ أشك جدا
يبدو أن حكامنا قرروا إقامة مهرجان «الصراحة للجميع» تمهيدا لموجة جديدة من زيادات الأسعار التى ستشمل كل شىء ليكون الفقراء أولى ضحاياها.
ورغم أن عموم الشعب لا تحتاج إلى مصارحة بالوضع المزرى الذى وصل إليه الاقتصاد، لأنه ببساطة يعيش هذا الوضع ويعانى منه، فستظل الصراحة راحة لكل الأطراف فى كل وقت، لكن هل نظام الحكم مستعد بالفعل لمصارحة حقيقية تضمن تحميل كل طرف نصيبه العادل من المسئولية عما وصلت إليه أوضاعنا الاقتصادية ونصيبه العادل من تكاليف عملية الإصلاح إن كانت هناك نية جادة للإصلاح؟
أشك فى أن نظام الحكم الذى يحرص على إخفاء المشروعات القومية العملاقة عن الأنظار خوفا من «العين التى فلقت الحجر» مستعد لمصارحة الشعب بكل الحقائق التى يجب أن تتجاوز الحديث المكرر عن الزيادة السكانية التى تلتهم كل ثمار التنمية مع أن الأرقام والحقائق تقول إن ثمار التنمية تلتهمها النخبة الاقتصادية التى تدور فى فلك السلطة، كما يجب أن تتجاوز الحديث المكرر عن سنوات الفساد السابقة، مادمنا لم نتخذ أى خطوات حقيقية لوقف فساد السنوات الحالية اللاحقة، وأن تتجاوز الحديث عن الظروف الصعبة التى تمر بها البلاد والتى يجب أن يتحملها الشعب لأنه لا يتحملها فى كل مرة إلا الفقراء.
هل الحكومة قادرة بالفعل على مصارحة الشعب بحقيقة المساعدات الأجنبية الضخمة التى تدفقت على مصر منذ 30 يونيو 2013 وأين ذهبت هذه الأموال ولماذا لم يكن لها تأثير ملموس على حالة الاقتصاد؟ وهل النظام الحاكم مستعد لمصارحة الشعب بحقيقة دراسات الجدوى للمشروعات الضخمة التى التهمت عشرات المليارات من الجنيهات خلال الأعوام الثلاثة الماضية ولم نرَ لها تأثيرا وفى مقدمتها مشروع «قناة السويس الجديدة»؟ هل النظام مستعد لكى يكشف لنا الأسس التى استند إليها عندما قرر شق القناة خلال عام واحد وما أدى إليه ذلك من استعانة كبيرة بشركات أجنبية حصلت على مستحقاتها بالدولار؟ وهل النظام مستعد لكى يصارح الشعب بحجم الأموال التى يدفعها ثمنا لمكافأة أهل الحظوة الذين ينهون مسيرتهم المهنية فى «مؤسسات القوة والسلطة»؟.
ظروف مصر الاقتصادية تحتم بالفعل القيام بإجراءات تقشفية يجب أن يتحملها الجميع وبشفافية تريح النفوس وتهدأ الخواطر. عموم الشعب الذين سيتحملون الجانب الأكبر من ثمن إجراءات الإصلاح يحتاجون إلى التأكد من أن هذا التقشف سيطال الجميع، بدءا من مؤسسة الرئاسة وحتى أصغر هيئة حكومية.
أخيرا نقول إن الصراحة والشفافية مطلوبة بشدة لكى نتجاوز جميعا هذه المرحلة الصعبة التى تمر بها مصر، لكن هل تعرف الحكومة معنى الصراحة؟ أشك جدا.
*ينشر هذا المقال بالتزامن في جريدة الشروق المصرية وبوابة العين الالكترونية*
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة