قرارات الأطباء انصبت فى معظمها على الجانب النقابى بضرورة توفير الحماية للأطباء وللمنشآت الطبية والامتناع عن العمل فى حالة الاعتداءعليهم
يمكن تفسير غضب الأطباء، أو فهم قراراتهم المهمة التى اتخذوها فى جمعيتهم العمومية فى مقر نقابتهم بشارع قصر العينى يوم الجمعة الماضى، بأنه مجرد ــ فقط ــ رد فعل لاعتداء أمناء الشرطة على زملائهم فى مستشفى المطرية التعليمى، وفى نفس الوقت لا يمكن فصل تداعيات هذا الفعل النقابى الغاضب، عن المناخ السياسى الراهن، رغم كل ما يتردد عن استكمال خارطة المستقبل بالتئام عقد مجلس النواب، فالغضب عالى الصوت الذى ساد عمومية الأطباء، هو الوجه الآخر للغضب الكامن فى نفوس المصريين، والذى يعبر عن انكسار أحلامهم فى تحقيق شعارات الثورة فى العيش والحرية والكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية!
قرارات الأطباء انصبت فى معظمها على الجانب النقابى، بضرورة توفير الحماية للأطباء وللمنشآت الطبية والامتناع عن العمل فى حالة الاعتداء عليهم، ومطالبة رئيس الوزراء بإصدار اوامره بعمل محضر بهذا الاعتداء داخل المنشأة الطبية نفسها، والمطالبة بإحالة الأمناء المتهمين بالاعتداء على أطباء المطرية للمحاكمة الجنائية العاجلة، بالإضافة إلى مطالبة مجلس النواب بسرعة إصدار تشريع يجرم ويشدد العقوبة على أى حالات اعتداء على المنشآت الطبية أو العاملين بها، مع اعتبارها جريمة جنائية، وتنظيم وقفات احتجاجية بجميع مستشفيات الجمهورية يوم 20 فبراير، مع طرح فكرة الاستقالات الجماعية المسببة على الجمعية العمومية العادية فى 25 مارس إذا لم تتم الاستجابة لمطالب الأطباء.
إلا أن اللافت للنظر هو مطالبة الجمعية لعمومية للأطباء فى المستشفيات الحكومية بتقديم جميع الخدمات العلاجية بما فيها الأدوية بدون أجر للمرضى، على أن يبدأ تنفيذ هذا القرار اعتبارا من 27 فبراير الحالى، مع الموافقة بالإجماع على المطالبة بإقالة وزير الصحة وتحويله للتحقيق بلجنة آداب المهنة بالنقابة، نظرا لعدم اتخاذه إجراءات حقيقية لحماية الأطباء أثناء تأدية عملهم.
هذه المطالب النقابية لن يمكن فهمها فهما صحيحا بدون ترجمة سياسية صادقة لها، فالاعتداء على أطباء المطرية هو مجرد حلقة من سلسلة طويلة من انتهاكات وزارة الداخلية لحقوق الإنسان وكرامة المواطنين، ولا يمكن أبدا تصور وضع نهاية لهذه الاعتداءات والانتهاكات، إلا من خلال تغيير كل مفاهيم الفلسفة الأمنية التى تنتهجها الوزارة، وطرد كل عناصرها المتجاوزة للقانون من الخدمة، والتوقف عن الزعم بأن هذه الانتهاكات مجرد حالات فردية، كما يقول الوزير مجدى عبدالغفار، والشروع فورا فى اعادة هيكلة الوزارة ـ وان يكون ولاؤها الوحيد للقانون.
كما أن مطالبة الجمعية العمومية للأطباء بمجانية العلاج للفقراء ومحدودى الدخل، هو انحياز واضح لمفاهيم العدالة الاجتماعية، فى وقت تزداد فيه حدة الأزمة الاقتصادية، وتتوالى فيه ارتفاعات الأسعار، وتنتشر خلاله شائعات حول اتجاه لخصخصة العلاج الحكومى فى مستشقيات وعيادات التأمين الصحى، تنفيذا لاتفاقات شبه سرية مع البنك الدولى!
غضب الأطباء فى جوهره يتجاوز التخوم النقابية والمطالب الفئوية، ويوجه رسالة واضحة للحكم فى مصر، بضرورة إجراء مراجعة شاملة لكل التوجهات المعمول بها حاليا، والانحياز الحقيقى لشعارات ثورة يناير.. قبل فوات الأوان!
*ينشر هذا المقال بالتزامن في جريدة الشروق المصرية وبوابة العين الالكترونية*
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة