تعيش تونس خلال هذه الأسابيع، حالة تأهب قصوى تتجلى ملامحها فى اتخاذ عدد من الوزراء قرارات استباقية تتعلق بالأمن والصحة
تعيش تونس خلال هذه الأسابيع، حالة تأهب قصوى تتجلى ملامحها فى اتخاذ عدد من الوزراء قرارات استباقية تتعلق بالأمن والصحة والإغاثة والتمويل وتهيئة أماكن استقبال اللاجئين وغيرها.
وتنم هذه الإجراءات عن استعداد الحكومة لمواجهة تبعات التدخل الأجنبى فى ليبيا، بالرغم من موقفها الرافض لهذا القرار والمتخوف من نتائجه على البلاد التونسية.
وقد احتل حدث التدخل فى ليبيا الصدارة فى كل وسائل الإعلام التونسية وهيمن «الخبراء» على المشهد كل يشرح ويحلل وينبه ويحذر ويعطى توقعاته. وقد نجم عن كثرة تداول هذا الخبر انتشار حالة من الهلع فى صفوف فئات من التونسيين. وبما أن وسائل الإعلام المرئية تؤثر فى سلوك المشاهدين ومشاعرهم وتوجه تصوراتهم، فقد لاحظنا إقبال عدد من التونسيين على تخزين المواد الأولية وتلهفهم على جمع أكبر قدر منها تحسبا لما سيحدث. وبالإضافة إلى ذلك هيمن خبر «ضرب الدواعش» فى ليبيا على حديث أغلب التونسيين، فصاروا يعيشون حالة قلق وتستبد بهم مشاعر الخوف من المجهول ولا يتوانون عن التعبير عن مخاوفهم من «تسلل» الإرهابيين إلى تونس.
ولئن استحسن الناس وعى المسئولين بضرورة التخطيط ووضع الاستراتيجيات قبل فوات الأوان، فإن الذى لم يفكر فيه إلى حد الآن هو الخطة الإعلامية لتغطية ما سيجرى فى ليبيا من أحداث، وهو أمر جدير بالمعالجة لاسيما وأن الحرب على «الدواعش» فى ليبيا تتزامن هذه المرة مع حالة احتقان شعبى واحتجاجات لازالت مستمرة فى عدد من الولايات، بل إن حالات الانتحار الجماعى صارت آخر سلاح أمام المعطلين والمهمشين، يكفى أن نشير إلى آخر حادث تم أمام وزارة التشغيل، إذ ألقى بعضهم نفسه من أعلى بناية الوزارة، بعد أن رفض وزير التشغيل استقبال المعطلين عن العمل.
***
يثبت علم نفس الجماهير أن إدارة الأزمات النفسية الحادة تتطلب وضع خطة إعلامية لا تقل أهمية عن سائر الاستراتيجيات الأخرى العسكرية والأمنية والصحية، ومعنى هذا أن تغطية إعلامية «عفوية» لما سيحدث فى ليبيا وغير محتكمة إلى استراتيجية دقيقة ستكون لها نتائج وخيمة على الشعب التونسى، ومن هنا تعين على أهل القطاع التشبث بمعايير الحرفية المطلوبة والنأى بأنفسهم عن نقل خطابات الكراهية والبحث عن الإثارة، وتحقيق السبق الإعلامى على حساب مراعاة المصلحة الوطنية.
وفى مقابل الاستعدادات الحكومية و«الضجيج» الإعلامى بشأن الأوضاع فى ليبيا لم تتضح خطة مختلف مكونات المجتمع المدنى، وكأننا نشهد مرحلة خفوت العمل الجمعياتى. فهل ثمة نية للتنسيق واقتراح الحلول والبدائل، وهل هناك جاهزية مادية ولوجستيكية ومعنوية، أم أن الأمر سيبقى رهن مقوله «دعه حتى يقع».
وسواء أتحدثنا عن المجتمع المدنى أو عن الحكومة ننتبه إلى أن ملف التونسيين المقيمين فى ليبيا يبقى ملفا غير مفكر فيه. فما هو وضع التونسيين العالقين هناك، والحال أنهم هاجروا إلى ليبيا طلبا للرزق؟ وما هو وضع التونسيين الذين التحقوا بداعش؟ كيف ستتم إدارة هذا الملف؟ إنه الصمت المخيم وكأن لا حلول ولا وسائل ولا معايير للتمييز بين التونسيين الذين هاجروا للعمل والتونسيين الذين التحقوا بالتنظيم.
ومهما يكن الوضع فإن التدخل فى ليبيا ستكون له انعكاسات على المستوى الاجتماعى والسياسى والاقتصادى والنفسى، يصعب تقدير حجم خطورتها. ولعل السؤال المطروح إلى أى مدى سيكون التونسيون مؤهلين لتحمل التبعات ومستعدين للتأقلم مع هذه الأوضاع المعقدة؟
*ينشر هذا المقال بالتزامن في جريدة الشروق المصرية وبوابة العين الالكترونية*
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة