علاقات بكين وبيونج يانج تقترب من "الخريف" بعد "ربيع" عقود
بعد قيام كوريا الشمالية بإطلاق تجارب لصواريخها البالستية، دفع الضغط الدولي الصين إلى الموافقة على مشروع عقوبات على بيونج يانج
يهدد الإطلاق الناجح الثاني لقمر صناعي من قبل بيونج يانج، والذي يأتي مباشرة بعد التفجير النووي الرابع في السادس من يناير/كانون الثاني الماضي 2016، بتدهور العلاقات بين الصين وكوريا الشمالية بشكل تام.
سوزان رايس، مستشارة الأمن القومي الأمريكية، قال: إنها تتوقع أن تدعم الصين عقوبات دولية جديدة على كوريا الشمالية بعد أحدث تجارب لإطلاق الصواريخ من جانب بيونج يانج.
وأبلغت رايس الصحفيين بأنها "تظن أنه من غير المرجح أن الصين تريد أن ينظر إليها المجتمع الدولي على أنها حامية كوريا الشمالية، خصوصًا بالنظر إلى تصرفاتها الشائنة الأخيرة".
وفي الغرب، يقع اللوم في التراخي عن اتخاذ رد فعل تجاه كوريا الشمالية على الصين؛ فالمعروف في الولايات المتحدة وفي كوريا الجنوبية، أن الطريق للضغط الحقيقي على بيونج يانج بدأ دائمًا من بكين، وقد اتهمت الصين برفض ممارسة تأثيرها على كوريا الشمالية.
ولكن موقف الصين يعكس أكثر من معارضة تدخُّل أطراف خارجية، فبكين تولي اهتمامًا للصورة الاستراتيجية الكبيرة، التي تشمل خوفها المفهوم من التمرد بين سكانها الحدوديين؛ حيث يسكن نحو مليون صيني المنطقة الحدودية مع كوريا الشمالية، وهم أحد الأعراق المتعددة التي تعيش في جميع أنحاء الجمهورية الشعبية.
كما أن "المشكلة الكورية" مرتبطة أيضًا بمصالح الصين الخاصة في بحر الصين الجنوبي؛ حيث يواجه التوسع الكوري الولايات المتحدة، والتي من أهدافها الاستراتيجية دعم قوة الدول الصغيرة في المنطقة.
ولدى الصين سبب قوي لتغيير موقفها من كوريا الشمالية دون مقايضة من الجنوب، وما إذا كانت الولايات المتحدة والصين سوف تتعاونان لخلق مناخ من السلام والرخاء في شرق آسيا، هذا سوف يقرر مصير شبه الجزيرة الكورية.
والتعامل مع هذه القضية بمعزل عن المشاكل الأخرى في المنطقة ككل لن يؤتي ثماره، فكوريا الشمالية كانت ترسل تذكرة بإطلاقها لهذا الصاروخ أن الحفاظ على السلام والاستقرار في هذا الجزء من العالم لعبة معقدة وخطرة.
والجدير بالذكر أن التبادل التجاري بين الصين وكوريا الشمالية شهد خلال عام 2015 تراجعًا بنحو 15% نتيجة فتور العلاقات بين الدولتين الجارتين، وتباطؤ نمو الاقتصاد الصيني. حيث أكد تقرير للمعهد التنمية الكوري الجنوبي، تم نشره في يناير /كانون الثاني الماضي، أن حجم التجارة بين بكين وبيونج يانج بلغ 4.9 مليار دولار خلال الفترة من بداية يناير/كانون الثاني 015 وحتى نهاية نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، مقارنة بنحو 5.76 مليار دولار خلال الفترة ذاتها من العام السابق له، ليتراجع حجم التبادل التجاري بين البلدين بنسبة 14.8% على أساس سنوي.
وأفاد التقرير بأن صادرات كوريا الشمالية إلى الصين تراجعت خلال الفترة المذكورة بنسبة 12.3% على أساس سنوي، لتبلغ قيمتها نحو 2.28 مليار دولار.
كما تراجعت واردات كوريا الشمالية من الصين بنسبة 16.8% على أساس سنوي، لتبلغ قيمتها 2.63 مليار دولار.
وشهد حجم التبادل التجاري بين البلدين الحليفين تزايدًا بنسبة 22.4% بين عامي 2000 و2014، ولم يتراجع حجم التجارة بينهما على أساس سنوي خلال تلك الفترة إلا في عامي 2009 و2014، لكن التراجع في عام 2015 يعد الأكبر منذ بدء الألفية الجديدة، حيث تخطى حاجز 10% لأول مرة منذ عام 2000.
بالإضافة إلى ذلك، قالت الصين: إن نشر منظومة صواريخ أمريكية في شبه الجزيرة الكورية، ردًّا على البرامج البالستية والنووية لكوريا الشمالية، من شأنه أن يهدد مصالحها الاستراتيجية .
وأعلنت واشنطن وسول الأسبوع الماضي إجراء محادثات حول نشر منظومة تسمى "ثاد" بعد تجربة نووية أجرتها بيونج بيانج في يناير/كانون الثاني الماضي تلاها إطلاق صاروخ مطلع فبراير/شباط الجاري.
المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية هونج لي قال في تصريحات سابقة له: "نعارض معارضة شديدة محاولات بلدان معنية إلحاق الضرر بالمصالح الاستراتيجية والأمنية للصين، من خلال استخدام المسألة النووية ذريعة".
وأضاف المتحدث أن "الصين قلقة جدًّا من احتمال نشر منظومة ثاد"، مشيرًا إلى أنها "تغطي مجال تحرك يتخطى الحاجات الدفاعية لشبه الجزيرة الكورية".
ودعت وزارة الخارجية الصينية الولايات المتحدة وكوريا الشمالية إلى الجلوس معًا وجهًا لوجه وحل مشكلاتهما، مع تصاعد التوتر في شبه الجزيرة الكورية، بعد التجربة الصاروخية التي أجرتها بيونج يانج مؤخرًا.
جاء ذلك رغم أن إطلاق الصاروخ أغضب بكين، التي أعربت عن قلقها من خطط واشنطن وسول، لنشر نظام دفاع صاروخي أمريكي متطور قائلة، إنه سيؤثر على أمن الصين.
وقالت الصين: إنها لا تعتقد أن فرض العقوبات هو السبيل لحل المشكلة ودعت للعودة للمحادثات على الرغم من إحباطها من كوريا الشمالية واشتراكها في عدة جولات سابقة من عقوبات الأمم المتحدة عليها.
والجدير بالذكر أنه قد فشلت عدة جهود في استئناف المفاوضات متعددة الأطراف منذ انهيارها بعد آخر جولة عقدت في 2008.
وتصاعدت حدة استياء الرأي العام الصيني من كوريا الشمالية التي كانت يومًا حليفًا دبلوماسيًا مقربًا، حيث كرر هونغ أن كوريا الشمالية يجب أن «تدفع ثمن» تصرفاتها.
وقد دعت صحيفة "تشاينا دايلي" الرسمية في افتتاحيتها، أمس الاثنين، الأمم المتحدة إلى اتخاذ تدابير جديدة "تؤذي فعلًا"، لكنها أضافت أن نشر درع مضادة للصواريخ قد يمنع التوصل إلى اتفاق على قرار.
وتعرب بكين عن قلقها الشديد من أن يؤدي انهيار النظام الكوري الشمالي إلى قيام كوريا موحدة منحازة إلى الولايات المتحدة.
وقد أعلنت واشنطن أنها ترفض استئناف المحادثات مع بيونج يانج، ما لم توقف كوريا الشمالية برنامجها النووي، وتقول بكين: إن هذا الموقف أدى إلى المأزق الحالي.
وفي النهاية، أصبح الموقف الصيني تجاه الأزمة الكورية في غاية التعقيد، حيث أصبحت بيونج يانج مشكلة كبرى أكثر من كونها حليفًا، بالإضافة إلى أن نشر منظومة "ثاد" الصاروخية على الحدود بين الكوريتين سيجعل الأمور أكثر تعقيدًا، ويضع الصين في مأزق القبول بقرارات المتحدة بشأن العقوبات، أو الدخول في مواجهة مع الغرب على المدى الطويل، وهو ما لا يصب في صالح جميع الأطراف.