بوفاة الدكتور بطرس غالي، الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة، تكون الدبلوماسية المصرية قد فقدت أحد أبرز أعمدتها
بوفاة الدكتور بطرس غالي، الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة، تكون الدبلوماسية المصرية قد فقدت أحد أبرز أعمدتها الذي اشتهر عالميا منذ السبعينيات من القرن الماضي.
غالي، الذي وافته المنية اليوم الثلاثاء بالقاهرة عن عمر ناهز 94 عاما، كان أول عربي ومصري وأفريقي يتولى منصب الأمين العام للأمم المتحدة بين عامي 1992 و1996، وكاد أن يستمر في العمل على رأس المنظمة الدولية لولا معارضة واشنطن التي استخدمت حق الفيتو في مجلس الأمن لمنع إعادة ترشيحه مرة أخرى، رغم موافقة 14 دولة من أعضاء المجلس الـ15، في سابقة أمريكية لم تتكرر.
الدبلوماسي المصري الراحل كان يرى أن واشنطن استخدمت الفيتو لمعاقبته على دفع أعضاء الأمم المتحدة لدفع المتأخرات عن عضويتهم، وهي مسألة كانت الولايات المتحدة، التي تدفع 25 %من ميزانية الأمم المتحدة، طالما تتلكأ في القيام بها.
كما اعتقد غالي أنه جرى إبعاده بسبب انتقاده لممارسات إسرائيل في لبنان ، حيث إنها حليف واشنطن الأبرز في الشرق الأوسط، خاصة فيما يتعلق بالهجوم الإسرائيلي على قانا في عام 1996.
وقال بطرس غالي في حوار قبل يومين من استخدام واشنطن الفيتو ضده: "كما في عهد الرومان، ليس لديهم دبلوماسية. أنت لا تحتاج إلى دبلوماسية إذا كنت قويا جدا".
واتسم العالم وقت قيادة غالي للمنظمة الأممية بالصراعات في الصومال، رواندا، الشرق الأوسط، ويوغوسلافيا السابقة، الأمر الذي مثل تحديات جمة أمام عمليات الأمم المتحدة لحفظ السلام.
وينتقد خصوم غالي القصور في عمليات الأمم المتحدة لحفظ السلام في عهده، فيما يشير المدافعون عنه إلى الشروط الصعبة التي وضعتها الدول الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة.
ولد بطرس غالي في 14 نوفمبر /تشرين الثاني 1922 من عائلة مصرية قبطية في محافظة بني سويف، جنوبي القاهرة، وهو من عائلة قبطية مصرية وأم أرمينية، وهو حفيد بطرس نيروز غالي رئيس وزراء مصر في أوائل القرن العشرين، وشقيق والد وزير المالية الأسبق يوسف بطرس غالي .
وتخرج غالي في كلية الحقوق بجامعة القاهرة عام 1946 ، وحصل على درجة الدكتوراه من جامعة السوربون في باريس عام 1949، حيث عين في أعقاب عودته إلى مصر، رئيسا لقسم العلوم السياسية بجامعة القاهرة منذ عام 1949 حتى عام 1977.
وعمل "غالي" أيضا لفترة بالصحافة، حيث كان رئيسا ومؤسسا لمجلة السياسة الدولية منذ عام 1965 حتى تعيينه أمينا عاما للأمم المتحدة.
كما انتخب رئيسا لأكاديمية القانون الدولي في لاهاي بهولندا، وكان حتى وفاته رئيسا لمجلس إدارة الأكاديمية، وهو أعلى مجمع فقهي قانوني في العالم ويجاور محكمة العدل الدولية بلاهاي.
وشغل بطرس غالي مناصب رئيس الجمعية الإفريقية للدراسات السياسية، ونائب رئيس الجمعية المصرية للقانون الدولي، وعضو لجنة تطبيق اتفاقيات وتوصيات منظمة العمل الدولية، وعضو أكاديمية العلوم الأخلاقية والسياسية في باريس، ورئيس معهد القانون الدولي منذ عام 1975 حتى 1987 .
وحصل غالي على الدكتوراه الفخرية من جامعات أوبسالا السويدية، ورينيه ديكارت في باريس، وحصل على عدة أوسمة من كل من بلجيكا وإيطاليا وكولومبيا وجواتيمالا وفرنسا والأرجنتين والأكوادور ونيبال ولوكسمبورج والبورتغال والنيجر وألمانيا الاتحادية واليونان وعدد من الدول الإفريقية.. كما حصل الدكتور بطرس بطرس غالي على قلادة النيل أرفع وسام مصري، والذي يمنحه ترتيبا بروتوكوليا رفيعا.
وبدأ نجم الدبلوماسي المخضرم الراحل في الظهور عندما رافق الرئيس الراحل السادات في رحلته إلى القدس عام 1977، ولعب دورا أساسيا في التوصل إلى اتفاقات السلام بين مصر وإسرائيل في كامب ديفيد عام 1978 ثم معاهدة السلام في 1979.
وبطرس غالي يعد متخصصا في العلاقات بين الشمال والجنوب، كما كان أبرز مهندسي سياسة مصر في أفريقيا.
وفي الأول من يناير/كانون الثاني 1992، أصبح بطرس غالي الأمين العام السادس للأمم المتحدة وأول أمين عام إفريقي وعربي للمنظمة الدولية.
ورغم موافقة واشنطن على تعيينه إلا أن الأمور لم تسر على ما يرام بين الطرفين بدءا من نهاية 1993، إذ أسفرت عملية للأمم المتحدة في الصومال بقيادة الولايات المتحدة عن وقوع خسائر بشرية أمريكية فادحة، وتفاقمت الأزمة بين بطرس غالي وواشنطن أثناء عمليات للأمم المتحدة في يوغوسلافيا، وبعد فشل الأمم المتحدة في وقف مذابح التطهير العرقي في رواندا في العام 1994.
كما حدث خلاف في أروقة الأمم المتحدة بخصوص تنفيذ عقوبات الأمم المتحدة بحق نظام الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، والذي غزا الكويت في العام 1990 وجرى إخراجه منها بتحالف دولي قادته الولايات المتحدة قبل عام من تولي بطرس غالي قيادة المنظمة الدولية.
وبعد رفض واشنطن التمديد لبطرس غالي، أصدرت مصر وفرنسا منفصلين بيانات لدعم الدبلوماسي المصري المرموق، وأشارتا إلى أن واشنطن تصرفت بمعزل عن دعم أي دولة أخرى.
وبعد انتهاء ولايته في المنظمة الدولية، كان بطرس غالي أول أمين عام لمنظمة الفرنكوفونية من 1997 وحتى 2002، كما شغل منصب رئيس المجلس الأعلى لحقوق الإنسان في مصر.
ونعى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في بيان "ببالغ الحزن والأسى" رحيل بطرس غالي الذي قال إنه سيظل "رمزاً للسياسي الوطني الذي خدم بلاده بتفان، وضرب مثلاً مشرفاً لكل المصريين على المستوى الدولي".
كما نعت وزارة الخارجية المصرية "عميد الدبلوماسية المصرية" بطرس غالي.
aXA6IDE4LjIyMS4xMi42MSA= جزيرة ام اند امز