الأشهر الأولي من السنة سوف يدخلان التاريخ, انهما شهرا( الربيع العربي) البعض غير رأيه الان واصبح الاسم شيئا اخر إلا أن يكون( ربيعا)
الأشهر الأولي من السنة, خاصة الشهر الثاني, سوف يدخل التاريخ العربي, انهما شهرا( الربيع العربي) البعض غير رأيه الان واصبح الاسم شيئا اخر مختلفا ومتعديا إلا أن يكون( ربيعا)!, ربما هي مرحلة انتقالية سوف يعود اليها الناس مرة اخري ليدعو كل تلك التداعيات بالربيع مرة اخري, فصول الخليج الطبيعية لا تعرف كثيرا من الربيع, فهناك فصلان قصيران للشتاء والربيع, وفصل اطول قليلا هو الخريف و الاطول منهم هو الصيف, ذلك من حيث الطبيعة, إلا أن الاشتراك الخليجي في( الربيع العربي) جاء مفروضا من قبل الأحداث ولم يطلب بذاته. منذ أربع سنوات او اكثر قليلا في قراءة تأثير(الربيع) علي مدن( الصيف) في الخليج تطور لدي مفهومان بعض الكتاب عاد اليهما و بعضهم التقط المفهومين دون اشارة الي مصدرهما كعادة كثيرين. المفهوم الاول ان اهل الخليج( اشتروا بطاقة يانصيب في الربيع العربي وتجاهلوا ان يشتروا بوليصة تأمين) ذلك مفهوم اول, اما الثاني فقد كتبت اكثر من مرة ان علي أهل الخليج( ان يقلعوا شوكهم بأيديهم) وعندما انظر الي السنوات الأربع ونيف منذ( الربيع) اجد ان اهل الخليج واقصد هنا متخذي القرار فيه تطورت عندهم الأمور تجاه( الربيع) كان كثير منها ردة فعل, واوجز بخمسة متغيرات.
المتغير الأول هو الأحداث في مصر, فقد تطورت الاحداث في مصر تطورا سريعا أوصل الحكم القائم وقت ذاك( عصر مبارك) الي الذويان السريع, وكانت المؤسسة العسكرية هي الضامن,ولكنها لسبب أو لآخر تركت الأمور تتطور الي أن وصل( اهل التشدد والإخوان) الي الحكم, وقتها تبين ان الحكم الجديد سوف يأخذ مصر الي مكان اقل ما يقال فيه ويتوقع منه ان يكون( مكانا زلقا) في اطار نظرية حكم ضبابية وطريقة حكم محدودة الخبرة. هنا وقع متخذ القرار الخليجي في معضلة, لا بد من الوقوف مع مصر, ولكن المشروع الذي يحمله الحكم وقت ذاك غير ناضج بجانب انه غير واضح. نحن نعرف ان الأمور تطورت الي الافضل بعد ان تبين للمؤسسة العسكرية و ايضا للنخب المصرية ان ما وصولوا اليه لا يؤدي الي مكان مريح, فجاءت30 يونيو لتصحح المسار, ولكنها لم تكن ايضا بعيدة عن التشكيك في اي طريق يمكن ان تذهب, في الحالات المختلفة, لم يكن لدي الخليجيين طريق إلا دعم مصر, لانها قاعدة العرب, وتطور هذا الدعم بعد أن اتضحت الرؤية, وكانت الأمور كلها تساعد علي ذلك خاصة وجود الفوائض النفطية.
المتغير الثاني هو مواجهة الاحتمالات من الداخل, وقد عولجت بسرعة من خلال الدعم المالي السخي للداخل, فرفعت مرتبات وزيدت اعانات معيشية وانشأت مؤسسات رقابية واجهزة متابعة, كان ذلك ردة فعل طبيعية توخيا لاي احتمال بخلل يصيب النسيج الاجتماعي الخليجي.
المتغير الثالث: التداعيات التي تبعت احداث الربيع وكانت نتيجة طبيعية له, اصابت دول الخليج بالكثير من الارتباك, تجلي لأول مرة في خلاف علني ادي الي( سحب سفراء) لان البوصلة التي تتبعها دول الخليج كانت متذبذبة الي حد بعيد, ناتجة عن اختلاف الموقف والمعالجة لدول الخليج فرادي لتداعيات الربيع, الذي دخلت دول في خضمه وفي بعض بلدانه, إما بالدعم المادي او الدعم العسكري او كليهما معا او بالمساندة السياسية لرسم( خريطة طريق) كما حدث في اليمن!
المتغير الرابع: كل تلك التداعيات اخذت دول الخليج الي الاشتباك المسلح, بدا منذ عام تقريبا في اليمن, وكانت دوافعه عديدة منها التدخل الايراني النشيط لدعم مكون من مكونات اليمن السياسية( الحوثيين) ومحاولة تكرار تجربة ايران في كل من لبنان والعراق واخيرا سوريا, ذلك الاشتباك المسلح تطور الي مد يد العون للمقاومة السورية ليس بالمال وحده ولا بالعمل الدبلوماسي, بل هو يتجه الي الدعم علي الأرض وفي المسرح الصراعي السوري تتداخل المصالح وتختلط الالوان ويتفرج الكبار علي المسرح الدموي وكأن شيئا لا يعنيهم, وقد تأخذ هذه التطورات( الاشتباك المسلح) دول الخليج الي الذهاب اكثر(لقلع الشوك باليد) مع ابتعاد نسبي للقوي الكبري المعروفة علي راسها الولايات المتحدة, علي الاقل في المنظور القريب والمتوسط.
المتغير الخامس: وهو متغير مهم انخفاض سريع لأسعار النفط, وقد كانت الاموال المتدفقة من أسعار مرتفعة هي احد المقومات الرئيسية للاشتباك الخليجي( الراغب أوغير الراغب) في معالجة تطورات وذيول ومخرجات( الربيع) العربي الصعب. الوضع اصبح الآن موزعا علي اكثر من جبهة, فالوضع الاقتصادي الداخلي يحتاج الي انتباه شديد في ظل المطالبة بشد الاحزمة, والوضع الاقليمي يتطلب المساندة العسكرية والدبلوماسية وكل يحتاج الي مال لرفده, والحرب مكلفة كما يعرف الجميع!
امام تلك المتغيرات الخمسة فان المشهد للعاقل لا ينبئ عن احتمال ايجاد حلول سريعة لكل تلك التشابكات السياسية والعسكرية, وربما تجد دول الخليج, بسبب الميكانيكية التي تجر اليها الاحداث في داخل المشهد الصراعي, وهو مشهد مركب يتداخل فيه الصراع بين المعسكر القديم والجديد في الدول التي تشهد صراعات مثل العراق وسوريا و ليبيا واليمن, كما انها امام مشهد صراعي يتناطح فيه الكبار, من روسيا التي ترغب في اعادة امجاد الامبراطورية التي هزمت عام1979 عندما خرجت من افغانستان وبدأت تداعيات الامبراطورية الكبري تأذن بالأفول, أما الولايات المتحدة التي اربكت وارتبكت امام التغيرات الحاصلة في حوض البحر الابيض الجنوبي وما جاوره امتدادا الي باب المندب! المشهد الآن في حالة سيولة, لا افق لحلول سلمية او اختراق دبلوماسي في الافق في الجانب الشمالي من الخليج او الجنوبي منه,ما في الافق هو مزيد من الصراع تتواجه فيه قوي متعددة ولأسباب مختلفة ويتطاير الشرر و الشرور من حول الخليج.
ما سبق هو توصيف لعلاقة الخليج بالربيع فهو أولا جعل من هذا الاقليم مركز الارتكاز كما جعله يعتمد علي قلع شوكه( بيده) و منتظرا استحقاقا مهما وعجلا للقيام بالاصطلاحات الداخلية المستحقة, وبعضها قد يكون الزمن قد سبقه! من هنا فان الحديث عن استراتيجية جديدة وخارجة عن التفكير التقليدي مطلوبة, اي بالذهاب الي( وحدة خليجية سريعة وصلبة), إلا ان المؤشرات في بعض الدول الخليجية لا تبشر بالذهاب الي ذلك الاتجاه, فقط اتجه بعضها لوضع مساحيق واطلاق انوار زينة من اجل اشغال الناس بالحديث عنها وصرفهم عن الاستحقاق الاكبرالذي تفرضه معادلة الحرب ونقص التمويل. الاندفاع الي الوحدة تقي الخليج الآثار المدمرة لتداعيات( الربيع) فهل تفعل؟
*ينشر هذا المقال بالتزامن في جريدة الأهرام وبوابة العين الالكترونية*
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة