لن تنال دول إفريقيا من الاستثمارات الأجنبية ما تحتاج إليه لمساعدتها علي النهوض باقتصاداتها إلا إذا هيأت حكوماتها المناخ المشجع لجذبها
لن تنال دول إفريقيا من الاستثمارات الأجنبية ما تحتاج إليه لمساعدتها علي النهوض باقتصاداتها المتعثرة إلا إذا هيأت حكوماتها المناخ المشجع لجذبها والتشريعات الضامنة لأموال وممتلكات أصحابها خاصة مكافحة الفساد المستشري والقضاء علي البيروقراطية المعوقة وتطوير الجهاز المصرفي لتسهيل دخول وخروج رءوس الأموال وأرباحها وانتهاج الحكم الديمقراطي, والعمل علي إخماد الصراعات العرقية والدينية لتحقيق الاستقرار الداخلي. دون ذلك ستنعقد المؤتمرات وتنفض بقرارات لن تجد طريقها للتنفيذ,وكذلك لن يزيد حجم التجارة بين الدول الإفريقية الذي لا يتعدي10% من حجم تجارتها الخارجية مالم يتم إلغاء الحواجز الجمركية ورفع كفاءة الطرق والموانيء في نقل البضائع بالإضافة إلي الإجراءات اللازمة لجذب الإستثمارات.
ويمثل منتدي الإستثمار في إفريقيا الذي يختتم اليوم أعماله في شرم الشيخ فرصة جيدة أخري أتاحتها مصر لجذب المزيد من الإستثمارات الأجنبية وزيادة حجم التجارة البينية بشرط البدء ولو بخطوة واحدة جادة لتهيئة المناخ اللازم للإستثمار بالتصدي للفساد وتعديل القوانين المنظمة للإستثمار والتبادل التجاري والحد من البيروقراطية وتحديث النظم المصرفية, وإجراء انتخابات حرة ونزيهة تتيح تداول السلطة بما يرضي مئات العرقيات والقبائل حتي لا تلجأ إلي العنف أو تقع انقلابات عسكرية.فوفقا لتقارير منظمات متخصصة لا تحصل إفريقيا من الاستثمارات العالمية سوي علي1.2% مقابل18.9% لدول جنوب شرق آسيا و28% لمجمل الدول النامية,وأوضح تقرير لمنظمات مجتمع مدني إفريقية وبريطانية أن إفريقيا تتلقي سنويا مساعدات وقروضا واستثمارات أجنبية مباشرة قيمتها134 مليار دولار, لكن في المقابل يخرج منها192 مليار دولار من بينها35 مليارا ينهبها مسئولون في صفقات فاسدة, ويعد الفساد والاضطرابات من أبرز الأسباب الطاردة للأموال من إفريقيا حيث أوضحت إحصائية صدرت عام2004 أن للقارة السمراء أكثر من200 مليار دولار مستثمرة بالخارج عجزت الحكومات عن استعادة ولو جزء منها بسبب غياب الديمقراطية وتفشي الفساد, ويقول البنك الدولي إن الدول الإفريقية تحتاج إلي98 مليار دولار سنويا للاستثمار في البنية التحتية لا توفر منها سوي43 مليارا, وكانت مصر قد استضافت مؤتمرا في يونيو2015 تم خلاله تدشين أول منطقة تجارة حرة بين ثلاثة تجمعات اقتصادية تضم26 دولة إفريقية يسكنها625 مليون نسمة.
إفريقيا التي تضم54 دولة( أكثر من ربع دول العالم) لا تساهم في الصادرات العالمية من المنتجات الصناعية سوي بنسبة1% ولا تشارك في حركة التجارة الدولية سوي بنسبة2%, حيث لا تملك سوي ثمان من دولها بنية أساسية للتجارة علي رأسها مصر وجنوب إفريقيا, ولا توجد بنية أساسية صناعية تمكن من تصدير منتجات صناعية تتوافق مع المعايير الدولية سوي في مصر وجنوب إفريقيا, بينما تقتصر صادرات بقية دول القارة علي الخامات المعدنية والمنتجات الزراعية.
يأتي الفساد في مقدمة معوقات الإستثمار جنبا إلي جنب مع انعدام الاستقرار, حيث أكدت تقارير البنك الدولي وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي ومنظمة الشفافية الدولية أن إفريقيا مازالت أكثر مناطق العالم فسادا وفشلت في حل المشكلة, وذكر تقرير لبنك التنمية الإفريقي أن القارة خسرت1300 مليار دولار خلال الفترة من1970 إلي2008 في صورة تهريب أموال.كما ذكر تقرير لمنظمة مكافحة الفقر أن الفساد يعوق الإستثمار الخاص ويقلل معدل النمو الاقتصادي ويزيد تكلفة تنفيذ المشروعات ويحرم الحكومات من موارد ضرورية للإنفاق علي الرعاية الصحية والأمن الغذائي والبنية التحتية ويمكن أن يؤدي إلي اضطرابات سياسية, أما الدول التي يقل فيها الفساد فتنخفض فيها تكاليف الإنتاج بنسبة20%, ولو تم استثمار الأموال الضائعة بسببه في التنمية لزاد الدخل القومي للدول بنسبة400%, كما لا يمكن لدولة تعاني من اضطرابات داخلية أو دخلت في حرب مع جارة لها أن تكون بيئة جاذبة للإستثمارات الخارجية, لأنه لن يغامر أي مستثمر بأمواله فيها باستثناء الإستثمار في خامات استراتيجية تستحق المخاطرة مثل اليورانيوم والبترول والغاز والذهب والماس.
تحتاج الدول الإفريقية بشدة أيضا للإستثمار في انتاج الكهرباء قاطرة التنمية المنشودة حيث لا يستفيد بها سوي25% من الأفارقة لدرجة أن إنتاج كل دول جنوب الصحراء التي يسكنها نحو800 مليون نسمة لا يزيد علي انتاج إسبانيا ذات الـ46 مليونا, بينما تمتلك القارة امكانيات هائلة لإنتاج300 ألف ميجاوات لا تستغل منها سوي7%, أما عن الزراعة الضرورية لإنهاء ظاهرة المجاعة المتكررة التي أودت بحياة ملايين وتهدد حياة نحو70 مليون إفريقي حاليا فأعلنت وكالة التنمية الدولية الأمريكية أن60% من أراضي العالم الصالحة للزراعة وغير المستغلة توجد في إفريقيا التي لا تستغل أيضا سوي1.6% من مواردها المائية مقابل14% لآسيا من بينها سهل غينيا العشبي المقدر بمليار فدان لا تستغل منها سوي10%, وتؤكد منظمة( الفاو) أن لدي إفريقيا إمكانيات ضخمة لتحقيق النمو لو تم مساعدة المزارعين علي تذليل العقبات في الزراعة وتسويق محاصيلهم, ورغم تلك الإمكانيات الهائلة تستورد الدول الإفريقية أغذية بنحو30 مليار دولار سنويا.
*ينشر هذا المقال بالتزامن في جريدة الأهرام وبوابة العين الالكترونية*
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة