فبعض دول مجلس التعاون لا تريد أن تستوعب المصير المشترك لها وتراهن على الأجندات الفردية لخدمة مصالحها
مصر محاصَرة بمشاكل من الداخل والخارج وقوى تريد أن لا يكون هناك توافق وطني وقوى أخرى تهددها من اليمن، وإثيوبيا لقطع شريان الحياة عنها كمعبر وحرمانها من هبة الله لمصر، فأصبح نهر النيل سلعة قابلة للتفاوض، ومن جهة أخرى فحال العراق لا يسر القريب ولا البعيد، وأين هي العراق؟ ذلك الكيان الشامخ في قلب الأمة العربية، فبغداد في يد الطائفة، ودمشق تالفه، والقاهرة خائفة، فمن بقى لقيادة العالم العربي، وبالرغم من كل أنواع المنغصات واختلاق الصراعات ونشر الفتن وإثارة الرعب، لم يبق غير الخليج العربي لها، وهو يقود الأمة العربية رسميًّا إذا فكرنا في الأمر من منظور الحقائق والأرقام والواقع السياسي والاقتصادي الميداني، وأما إذا كنا لا نزال في عصر الشعارات والخطابة والفخر بالتاريخ، فسنظل نتوهم بأمور ليس لها وجود إلا في عقولنا.
فبعض دول مجلس التعاون لا تريد أن تستوعب المصير المشترك لها، وتراهن على الأجندات الفردية لخدمة مصالحها، وكأن مصالحها سوف تعني لها شيئًا عندما تجد نفسها مستعمرة محكومة بوضع اليد من لا يحمل ضدها إلا الضغينة السياسية، وسينكر وجودها كدولة مستقلة، فالخليج العربي أمام مفترق الطريق، وأمام قياداته مسؤولية تاريخية تحتاج لتظافر الجهود كي تنجح دول مجلس التعاون المتفقة منها على الأجندات العامة على أقل تقدير، وذلك لإيصال الوطن العربي لبر الأمان، وإن كان ذلك الهدف بعيد المنال، وليس في مصلحة الولايات المتحدة الأمريكية والروس والصين وإيران وتركيا واللوبي الإيراني في الحكومة الباكستانية ولوبي الطاقة وحلم الهند كقوة عظمى في الحكومة الهندية، وغيرهم ممن يردون الوطن العربي بصورة عامة تحت الوصاية الدولية.
ونرى اليوم أن زمام المبادرة والإجراءات الاستباقية والردع الاحترازي وليس ردود الفعل فقط جزء من سياسة السعودية والإمارات، ومن يقف بجانبها من دول مجلس التعاون بالفعل والعدة والعتاد، أو بالقول والدبلوماسية التقدمية والدعم المعنوي، وتحمل جزء من المسؤولية بعدم التهاون في منظومة المصير الخليجي المشترك، وأخرى لها رؤية خاصة، وغيرها تريد الريادة بأي ثمن ولا تقبل بواقع التاريخ والمعطيات الواضحة للعيان في موازين القوى، وتعمل جاهدة على شراء تاريخ لها وثقل سياسي وعسكري بالتحالفات عن طريق المصالح الاقتصادية المشتركة مع دول تطمح بدورها للعالمية، ولدى تلك الدول ما تحتاجه للاستمرار في النمو التصاعدي، وبين هذا وذاك صدمة دول التحالف العربي في اليمن، وبالتحديد الخليجية سكانها بحقيقة أن عصر الترف والأخذ دون عطاء قد ولى بلا رجعة، ولضمان الاستقلال السياسي والحفاظ على سيادة الأرض لا بد من أن تسيل الدماء فداءً للوطن، وتحولت شعوبها فجأة إلى مجتمعات تتحدث عن النصر العسكري والتضحيات بدلاً عن الكماليات والمظاهر، وأدركت أنها لم تختار هذا الوضع، ولكن فرضه عليها تهديد وحصار مباشر كان سيخنقها تمامًا، ولن ينفعها وجود نفط وغاز لا تستطيع أن تصدره خارج حدودها، وسيتحكم في مصير سلسلات التمويل المختلفة من غذائية وغيرها قوة عسكرية تطور أسحلة دمار شامل وتنشر نفوذها بالمنطقة ككل، فكان الدفاع عن وجودها أمر بديهي قد لا يفهمه رجل الشارع العادي اليوم، بينما سيسجله التاريخ كتحرك استراتيجي أنقذ المنطقة من الضياع.
فالبعض ينظر للأمة العربية كحارس غير أمين لمخزون الطاقة العالمي الأكبر، وأهم ممرات العالم وأكثرها حيوية، ويريدون قوة تملك مقومات فرض السلطة ووجود مؤثر في مناطق الصراع على الطاقة في المستقبل، فإيران هي الخيار المنطقي وفق رؤية مخططيهم الاستراتيجيين، وتستطيع أن تضمن لهم وتؤمن لهم حاجاتهم بأي ثمن وبأي وسيلة ممكنة، ولها باع طويل في التآمر الدولي على المنطقة، فراهن الجميع على إيران لسبب أو آخر، فالأسباب كثيرة في الحقيقة وسياسيًّا، لربما هو أمر مبرر عندما نتحدث عن مصالح تلك الدول، ولكن على المدى الطويل يعد قمة الإفلاس السياسي، حيث إن سياسة احتواء الخصم وتغيير وجه الخطر بالمواجهة بالوكالة والتصدي لانتشار نفوذ خصم دخل المنطقة، ولن يخرج منها، وسيمكن بشار من استعادة سلطته ويقسم العراق، وسيستفز ويلجم تركيا للبعد عن مخططاتها في سوريا هو خطر بحد ذاته، والمعادلة برمتها تضع الأمن الخليجي والعربي بشكل عام في مهب الريح، وأمام دول مجلس التعاون فرصة أخيرة لتدارك الموقف قبل فوات الأوان، فالقرار أصدر بحق المنطقة، والدور الآن على المنطقة التصدي ورفض ذلك القرار.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة