يلقي التوتر الروسي-التركي المتصاعد حيال سورية بظلال ثقيلة على العلاقة التركية- الأطلسية، فعلاقة أنقرة مع الناتو تدخل اليوم منعطفا حساسا
يُلقي التوتر الروسي- التركي المتصاعد حيال سورية بظلال ثقيلة على العلاقة التركية- الأطلسية، فعلاقة أنقرة مع «الناتو» تدخل اليوم منعطفاً حسّاساً، لأن واشنطن و «الناتو» ليسا على استعداد لأن تصل الأمور بين موسكو وأنقرة إلى حدّ انزلاقٍ عسكريّ خطِر يضطر الحلف الأطلسي معه إلى الوقوف العسكري الصريح إلى جانب تركيا ضد روسيا. السجال الأردوغاني مع الإدارة الأميركية حول دعم الأكراد والتهديد بإغلاق «إنجرليك»، إنْ صحّ، يكشف انقساماً في الموقف الأطلسي على طبيعة التعاطي مع التقدم الروسي في سورية وعلى الحدود التركية وإفشال مشروع المنطقة الآمنة ومسألة دعم الأكراد. احتمالات قيام أنقرة بنشر قوات في الشمال السوري، حيث الاحتقان العسكري على أشده بقيادة جوية روسية، يُعدّ أمراً محفوفاً بالمخاطر من وجهة نظر «الناتو»، وينطوي على احتمالات وقوع اصطدام عسكري مع روسيا، وهو ما يريد «الناتو» وأميركا تجنبه والعمل على منع حدوثه، عبر الدعوات الأميركية المتكررة إلى أنقرة بـ «ضبط النفس». الإشكال الحقيقي أنّ اعتبارات أنقرة لما تعُدّه «أمناً وطنياً» للجمهورية التركية لا يحظى بتعريف وتوافق متماثل من أميركا و «الناتو»، خصوصاً في ظل الاستثمار الأميركي غير القابل للتراجع، على ما يبدو، في العلاقة مع الأكراد. والمفارقة أنّه في حال «إغلاق إنجرليك» بوجه واشنطن مرة ثانية منذ حرب العراق في 2003، فإن هذا سيزيد من تمتين العلاقة الأميركية- الكردية. وقد انتشرت تحليلات تقول إنه ليس بلا دلالة زيارة المبعوث الأميركي بريت ماكفورك المناطق الكردية في سورية مطلع هذا الشهر يرافقه ما يقارب من عشرين مسؤولاً عسكرياً أميركياً ومن بريطانيا وفرنسا، ما يعطي هذا التحرك تجاه الأكراد مظلة أطلسية ربما.
وإذا ما رغبت واشنطن في تطوير مطار رميلان، حيث حطّ ماكفورك والمسؤولون الغربيون لدى زيارتهم المذكورة أكراد سورية، فإن هذا المطار- القاعدة العسكرية قد يتنقل إلى ما هو أشبه بـ «إنجرليك كردية» قد تُفقد تلك التركية مكانتها وربما تحلّ مكانها. هنا قد يُعاد تعريف مكانة تركيا في القاموس الأطلسي بوصفها منزلة بين منزلتين: العبء والفرصة، فتوريط «الناتو» في مواجهة لا يريدها مع روسيا والعجز عن إدراك أهمية العامل الكردي للغرب والفشل في منع تصدير اللاجئين إلى أوروبا والالتباس في التعاطي مع «داعش»، إنما يضع تركيا في الميزان الأطلسي كعبء بعدما كان يُنظر إليها كفرصة ونموذج اعتدالي.
هذا العبء لا ينفي، حتى الآن، عن أنقرة صفة الحليف الأطلسي، لكنّ مجريات الأحداث تقول إن مستقبل هذا التحالف دخلت عليه اليوم عناصر وشروط جديدة: أولها تحدي إدارة النزاع التركي مع روسيا من دون توريط «الناتو» في صراع مع الأخيرة، وثانيها التكيّف مع الموقع الإيراني الجديد في المنطقة بعد الاتفاق النووي، وثالثها إدراك مغزى تصاعد مكانة الأكراد في استراتيجيات الغرب في ترتيبات المنطقة وتحولاتها الجيو- استراتيجية، ورابعها يكمن في أنْ تُقدّم أنقرة للغرب شيئاً مقنعاً في موضوع اللاجئين والمهاجرين ومكافحة التطرف العنيف والإرهاب. هذا الشيء المقنع ينبغي أنْ يقوم على إصغاء هادئ لكلام الوزير كيري في ميونيخ مؤخراً عن أنّ أزمة الهجرة تُعدُّ «تهديداً شبه وجودي للحياة السياسية والاجتماعية في أوروبا»، وأنها مقسِّمة لوحدتها!
*ينشر هذا المقال بالتزامن في جريدة الحياة وبوابة العين الالكترونية*
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة