كنت شأن الكثير من الزملاء في الجنادرية، المهرجان الذي يجمع بين الثقافة والتراث والفولكلور والنشاط الاجتماعي في الرياض بالسعودية
كنت شأن الكثير من الزملاء في الجنادرية، المهرجان الذي يجمع بين الثقافة والتراث والفولكلور والنشاط الاجتماعي في الرياض بالمملكة العربية السعودية. في هذه المناسبات تحتل الكواليس أهمية قد تكون أكبر من المحاضرات واللقاءات الرسمية عادة.
وقد كان السؤال الذي يوجه إليّ باستمرار لكوني المدعو الوحيد من الجمهورية التركية هذا العام: ماذا بعد؟ ما الذي ستفعله تركيا إزاء ما يحدث حالياً في سورية وبعد التدخل الروسي السافر في هذا البلد؟
الذي يعرفه الكل أن التدخل الروسي لم يأت إلا بعد إخفاق القوات الإيرانية والقوات الموالية لها على الأرض وبدء انهيار المحور النظامي أمام زحف القوات الشعبية. بعد أن اتضح ذلك بجلاء تم رسم سيناريو معين كان من أهم معالمه إيجاد مبرر لإسقاط طائرة حربية روسية اخترقت الأجواء التركية.
عندئذ، بدأ تطبيق الخطة البديلة، بل ولنقل الرئيسية بمنع الدول الرئيسية من الإسهام في الحل السوري، وقد قال الرئيس بشار الأسد في لقاء صحافي أن الإرهاب يأتي من تركيا والأردن، أي الدولتين اللتين تحتضنان ما يقارب الأربعة ملايين سوري.
شاركت في الندوة الثقافية بورقة عن محور العلاقات التركية- السعودية- الإيرانية، وقد جاءت أكثر المداخلات والأسئلة بعد انتهاء المحاضرة عن الورقة الخاصة بي، وإذ لم تلق مقولتي الخاصة باعتقادي الناجز بأن العلاقات بين ثلاث دول هي تركيا والمملكة العربية السعودية ومصر العربية هي ضمان لأمن واستقرار منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط اعتراضاً، بل لقيت ترحيباً متوقعاً، فإن ما ذكرته بالنسبة للعلاقات مع إيران قد أحدثت ارتباكاً بين بعض الحضور. كان ما قلته ما يلي:
«الأمر الذي أود أن أذكره في هذا النطاق يتركز في العلاقات المتوازنة والاحترام المتبادل بين الجمهورية التركية والجمهورية الإسلامية الإيرانية، فهذه العلاقات يمكن أن تسهم في ترطيب الأجواء بين العالم العربي وإيران من جهة وتنزع فتيل الأزمات في المنطقة وفي شرق البحر الأبيض المتوسط أيضاً، مما يمكن أن يحول دون إقحام أية دولة لنفسها في الشؤون التي تصمم مقدرات المنطقة برمتها.
ولكن الأمر المهم والذي أركز عليه دوماً أن إيران يجب أن تكون جزءاً من الحل وليس جزءاً من المشكلة، في حين أن هناك من يرى وله مبرراته في ذلك أن إيران ليست جزءاً من المشكلة فقط بل إنها تمثل بامتياز المشكلة نفسها، وليس بجديد أن الكثيرين يعتبرون ما يجرى في إيران حالياً صراعاً سياسياً مغلفاً بإطار طائفي ولكن الحقيقة تكمن في أن الصراع الداخلي المتأجج بين المؤسسة الدينية والبازار على أمور دنيوية هو ما يحدد المسار في هذا البلد.
من هذا المنطلق، وإذا كانت هذه الدولة تريد أن تبرئ ساحتها وتمد يد الود إلى جيرتها، فإنها ملزمة بالتصريح عن أسباب اتباعها سياسة تتبنى الخلايا النائمة واليقظة والتي تتجه إلى التفجير وسياسة الاستيلاء على منابع النفط والممرات المائية وأن تقلع عن ذلك فعلاً».
تساءل البعض، لماذا أعتبر إيران جزءاً من الحل وتساءل آخرون لماذا أعتبر إيران جزءاً من المشكلة، والسبب في هذا الفهم أو ذاك قد اعتبرته كائناً في طغيان الأدلجة على التفكير عند بعضنا. فأنا لم أقل أنني أعتبر هذا البلد أو ذاك كما يريدون أن يفهموه، ولكنني قلت «إن الكثيرين يقولون ذلك»، أي أنني قد التقطت الصورة ووضعتها أمام أعين الحاضرين ولكنّ قسماً منهم لم يرد أن يرى الصورة بل الرسم بالألوان التي يحبونها!
وبالعودة الى روسيا التي أقول أن إيران وبعض المنظمات الإرهابية أيضاً قد استعانت مؤخراً بها، فهي لا تريد منطقة آمنة ولا تريد حلاً سياسياً يفهمه السوريون أنفسهم، بل تريد أن تفصل الحل على هواها، وهذا ما سوف لن يكون لأن هناك شعباً يريد أمراً وتريد روسيا غير ذلك.
روسيا لا تريد أن يكون لتركيا دور في الحل، لأنها تعتبر أن هذا الحل يصب في غير مصلحة النظام، ولكن إذا كانت روسيا تريد ذلك، فلماذا لا تفهم أن الحل الأمثل الذي يجب أن يكون سيفيد تركيا بطبيعة الحال، باعتبارها ذات حدود جغرافية مع هذا البلد الذي يفوق 900 كيلومتر، وان سوريا شأنها في ذلك شأن العراق هي البوابة الرئيسية لتركيا نحو العالم العربي.
يعلم الكثيرون أن تركيا قد عارضت التدخل الخارجي وإقحام الدول أنفسها في الشأن السوري وما تأييدها لقوى الائتلاف الوطني إلا لأن 113 دولة من مجموع دول العالم قد اعتبرت هذا الائتلاف الممثل الشرعي للشعب السوري.
حالياً، تعتبر روسيا التدخل البري لتركيا والمملكة العربية السعودية إذا حصل مدعاة لنشوب الحرب العالمية الثالثة ولكنها تتدخل بوضوح في قرار الشعب السوري وليس ضد المنظمات الإرهابية التي قالت في بداية دخولها إلى الأراضي السورية بقواتها الجوية وتلك التي على الأرض أنها آتية بغرض مجابهتها.
لقد اتضح الآن أنها تساند النظام السوري والمنظمات الإرهابية التي تعادي تركيا لتغيير إثني وأيديولوجي في مدينة حلب وريفها، وهي تريد بذلك إغراق تركيا أيضاً بمليون آخرين يحتمل أنهم لن يستطيعوا العودة إلى مساكنهم، كما حصل في أمثولة تحرير بعض المناطق من سيطرة «داعش» وإغراقها بميليشيات تتبنى التغيير العرقي.
لنتساءل إذاً وحيث أن روسيا قد أتت من مسافة آلاف الكيلومترات إلى سوريا لتنفيذ أجنداتها الخاصة، ألا يحق لتركيا أيضاً أن تحافظ على أمنها القومي وأن تفسح المجال لملايين الإخوة السوريين أن يرجعوا إلى مساكنهم ومدنهم وحقولهم وأعمالهم ومدارسهم بكل أمان، ونتساءل ألا تفهم إيران ذلك أيضاً؟
*ينشر هذا المقال بالتزامن في جريدة الحياة وبوابة العين الالكترونية*
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة