وعود حزب اليمين الذى أعطى المواثيق وجيش الجماهير ومن بعد ذلك انتكص فصار متهما من قبل قسم كبير من أتباعه الخلص بأنه انتهازى
لماذا لم نعد نصدق: وعود حزب اليمين الذى أعطى المواثيق وجيش الجماهير ومن بعد ذلك انتكص فصار متهما من قبل قسم كبير من أتباعه الخلص بأنه انتهازى؟ لماذا لم نعد نصدق أحزابا صورت نفسها على أنها ممثلة الديمقراطية والليبرالية والحداثة... ثم غيرت خطابها ومواقفها فصارت يمينية الهوى؟ لماذا لم نعد نصدق أحزابا يسارية ادعت أنها كانت أول من حمل مشعل النضال ثم ارتدت على نفسها وصارت لا تملك إلا إحداث الضجيج؟
لماذا وئدت أحلام من تشبثوا بتلابيب حزب النداء موهمين أنفسهم بأن لا نجاة إلا بركوب سفينة ستنقذهم من البلاء ولكن سرعان ما تشاجر الأخوة الأشقاء: كل يريد أن يكون الربان فغرقت السفينة بمن فيها؟ لماذا انقطع حبل الود وانفرط العقد وتفكك النسيج الاجتماعى وكثر الهرج والمرج وانتشرت البلادة والركاكة والهمجية والتصرفات الرعناء؟ ولم عم القبح والخواء حياتنا؟
أسئلة كثيرة تراودنا فى سياق ما عاد فيه المرء قادرا على إخفاء حزنه وكمده ويأسه ممن سرقوا الأحلام وعبثوا بالطموحات وحطموا الآمال. ولأن أزمة انعدام الثقة مستفحلة فلا العين تبصر الإنجازات ولا القلب يفرح للإصلاحات ولا اللسان يعترف بوجود المبادرات الهادفة إلى إنقاذ حال البلاد. فهل هو الانبتات عن الواقع المؤلم والرغبة فى الالتحاف بالسواد؟
كيف يمكن استرداد ثقة المواطنين فى إمكانية تأسيس مشروع الجمهورية الثانية وإعادة بناء الدولة الحديثة والحال أنهم يعلمون علم اليقين أن النخبة السياسية التى تصدرت المشهد جل أفرادها كانوا ممن فشلوا فى إرساء مشروع الدولة الحديثة؟ كيف يمكن للتونسيين أن يثقوا فى خطابات الفاعلين السياسيين الواعدة بالتطوير والإصلاح الهيكلى والحال أن هؤلاء السياسيين أبدوا تعلقا مرضيا بمنظومة الحكم القديمة وما استطاعوا عنها الفكاك؟ وكيف يمكن للجماهير أن تستأنس بوجود نخبة حاكمة تضاربت تصريحات ممثليها وتباينت قراءتهم للواقع واختلفت رؤيتهم لصياغة السياسات، بل تضاربت أقوالهم وأفعالهم وإحصائياتهم ؟
***
وبين أصوات تتذمر مما آل إليه الوضع وتتأسف على العهود الماضية ولا تخفى حنينها لحكم بن على وأصوات تشكك فى حدوث الثورة وتلعن «البوعزيزى» مفجرها وأخرى مازالت تتشبث بالحلم يزداد الواقع تعقدا خاصة بعد أن سدت المنافذ وسمع دوى الانفجارات فى ليبيا.
لاشك أن الثورة فاجأت الجميع وأن الطبقة السياسية لم تكن متهيئة لممارسة الحكم ولا دراية لها بكيفية الملاءمة بين مطالب الثوار ومستجدات الواقع ولكن مرحلة الانتقال الديمقراطى عرت وفضحت... ووضعت النخب على محك الاختبار فبان المستور وصار المرء يحدق بملء عينيه فيرى الضحالة والانتهازية والوصولية والمراوغة والتلاعب... ويعاين أساليب الصراع والعراك ويشهد حفلات تأبين الأخلاق والمعايير والقيم والضوابط ثم بان استشراء الفساد وظهر التواطؤ ضد مصلحة الوطن والتآزر من أجل تحقيق الامتيازات.
أمراض وعلل أدت إلى انعدام الثقة لا بين السياسيين والمواطنين فحسب بل بين جميع النخب وممثلى السلطة (السياسية المعرفية الثقافية) وغيرهم من المواطنين ثم تسلسل الداء وتفشى بين الجميع لا أحد يثق فى الآخر.
وطالما أن قرار تحمل المسئولية التاريخية عسير والإرادة السياسية الصادقة مفقودة والشفافية معدومة ولا أحد يؤمن بأهمية المساءلة وجدوى المحاسبة فإن أزمة الثقة بين التونسيين مستفحلة. ولعل السؤال الأخطر كيف يمكن أن نوقف عمليات انخراط الشبان فى العمل الإرهابى أو الانضمام إلى عصابات التهريب أو تنظيم الهجرة السرية أو الانتحار؟
أنى لمن لم يفهم مطالب الشبان أن يلبيها؟ وأنى لمن ازدرى المهمشين واحتقر المنبوذين أن يؤسس لهم دولة حديثة متصالحة مع قيم الثورة مستوعبة لأهدافها؟
*ينشر هذا المقال بالتزامن في جريدة الشروق المصرية وبوابة العين الالكترونية*
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة