من كان يصدق ان تشهد الشعوب العربية كل هذه الإنهيارات التى اجتاحت اكثر من بلد عربى واصبح الملايين من البشر بلا ارض او وطن او حياة
من كان يصدق ان تشهد الشعوب العربية كل هذه الإنهيارات التى اجتاحت اكثر من بلد عربى واصبح الملايين من البشر بلا ارض او وطن او حياة.. هذه الملايين من اللاجئين التى انتشرت فى ربوع الأرض تبحث عن ملجأ وملاذ بعد ان دمرت الحروب الأهلية ديارهم وشردت اهليهم واستباحتهم فصائل الطغيان..من كان يصدق ان هذه الشعوب التى انتفضت يوما ضد الإستعمار وسقط آلاف الشهداء والضحايا دفاعا عن الأرض والكرامة سوف تجد نفسها بعد عشرات السنين امام هذه الحشود التى دمرت كل شئ..من أين جاءت كل هذه النكبات وبعد ان كنا نتحدث عن نكبة واحدة هى فلسطين اصبحت لدينا الآن نكبة فى العراق..وكارثة فى سوريا ومذابح فى ليبيا وانهيار دولة فى اليمن وهناك اخطبوط يحاصر الجميع يحمل راية الإسلام تحت اسم داعش وهو ابعد ما يكون عن الإسلام وعن العصر وعن الحضارة..
يقف الآن اللاجئون القادمون من كل البلاد العربية امام شواطئ اوروبا من مات غرقا ومن سقط جوعا ومن طاردته فلول الأمن من بلد الى بلد ومن موت الى موت..يقف العالم العربى الآن امام عشرات الجيوش الغازية التى جاءت تجرب ما انتجته مصانعها من السلاح الذى يقتل الأبرياء ويدمر الأرض ويرفع راية الموت فى كل مكان.
تقف الشعوب العربية الأن فى محنتها امام عالم افتقد الرحمة وغابت عنه العدالة وقد خسر العرب كل ما كانوا يملكون من عوامل البقاء كبشر واساليب الحضارة كحياة..ومن يرى هذا المشهد الدرامى لابد أن يتساءل لماذا حدث كل هذا هل هو الطغيان..ام هو الجهل ام هى تراكمات من القهر والإستبداد ونهب خيرات الشعوب..فى هذه المحنة تقف الشعوب العربية تستجدى الأمن وتبحث عن المنافى وكأنه يوم الحشر العظيم.. حيث لا عاصم اليوم من امر الله..
> تسأل اين البترول العربى وهو اكبر ثروة فى تاريخ البشرية حصل عليها الإنسان هبة من السماء لتكون الأرض العربية هى المكان الذى جمع كل هذا الثراء واتجهت انظار العالم بشرقه وغربه الى حقول النفط لأنه سر حضارة هذا العصر وقامت عليه كل منجزاتها ابتداء بسفن الفضاء التى وصلت الى ساحة القمر وانتهاء بالصورايخ التى دمرت البشر..كان البترول نعمة من الخالق سبحانه لسكان هذى الأرض.. وجاء الغزاة من كل فوج ونهب من نهب واغتنى من اغتنى.. وكما كان البترول سببا فى نهوض شعوب وحياة دول تحول فى اماكن اخرى الى لعنة امام اطماع الآخرين, والآن تقف الشعوب العربية وقد سقطت اسطورة البترول وتراجعت اسعاره وانخفضت مستويات الدخل وتوقف الإنتاج فى دول أخرى وجلس اصحاب القرار فيما بقى من دنيا العرب يبحثون ويناقشون ما ستأتى به الأقدار فى مستقبل اجيال قادمة والكل يبحث لنفسه عن مكان فى سفينة نوح بعد ان اقتحم الطوفان نصف هذه الأمة وسقطت اسطورة البترول التى دوخت العالم كله.
لقد اختلطت دماء الشهداء بحقول البترول فى الأرض العراقية وعلى التراب السورى وفوق رمال ليبيا وبين ربوع اليمن وخرج ملايين المهاجرين من ديارهم ولم يحمل احد منهم برميل بترول امام حشود الإرهاب التى خرجت من بطن هذه الأرض ولا أحد يعلم من زرعها ومولها واعطاها السلاح والمدد لتهدم صرح امة وتدمر كل ما فيها من الأمس واليوم والغد..
> لا احد يسأل الآن ماذا اصاب الآثار التاريخية فى المدن العربية التى دمرتها المعارك..لا احد يعلم أين آثار حلب وحمص وتاريخ طويل للأمويين وما قبلهم ..لا احد يعرف أين آثار الموصل وبغداد والبصرة وما ترك العباسيون فى مئات السنين..لا احد يعرف أين ذهبت آثار سوريا والعراق وهناك من يؤكد انها اخذت طريقها الى تل ابيب, بل هناك آثار عربية وإسلامية مسروقة من متاحف بغداد تباع وتعرض فى امريكا منذ احتلال العراق, لا احد يعلم مصير الآثار التى دمرتها اشباح داعش فى الموصل من آثار وكنائس, ولا احد يعلم ماذا بقى فى ربوع اليمن من الحضارات العريقة امام حشود الحوثيين وقد دمروا كل شىء..هذا هو حال الشعوب العربية خسرت الأموال فى البترول..وخسرت التاريخ فى نهب الآثار وخسرت الشعوب فى تدمير البشر وبعد ذلك كله خسرت الأوطان.
> وسط هذا الركام وبين هذا الحطام فى البيوت والبشر تتناثر شظايا دين عظيم تنهار كل ثوابته تحت راية الإرهاب والقتل والموت باسم الدين.. وهذه الحشود السوداء التى رفعت راية الإسلام من القاعدة الى داعش وشوهت صورته فكرا وتاريخا وسلوكا امام العالم كله وانطلقت تدمر كل شىء فى ربوع الأرض وفتحت الأبواب لحروب اهلية بين ابناء الدين الواحد والوطن الواحد تحت شعارات دينية كاذبة ومضللة وحشدت آلاف الشباب يحاربون دينهم ويقتلون اهليهم ويكتبون صفحة من أسوأ الصفحات فى تاريخ هذه الأمة..هل هى مؤامرة على الشعوب العربية والإسلامية هل هى لعنة اصابت بعض العقول الشاردة هل هى امراض التخلف والجهل والنظم التعليمية الفاسدة هل هى النظم الاستبدادية التى شوهت العقل العربى واستباحت كرامة الشعوب ومقدراتها..ان هذه الظواهر الدينية والفكرية الضالة نتاج سنوات من القهر تعرضت لها الشعوب فى ظل انظمة فاسدة ساندها الغرب وقدم لها السلاح والموت والتآمر وكانت النتيجة هذه الدماء التى شوهت تاريخ الإسلام وحضارته وسماحة فكره .
> لم تعد الأرض المستباحة والشعوب الضائعة الهاربة من الموت هى المأساة الوحيدة ولكن الإسلام العقيدة تحول امام العالم الى شبح مخيف واصبح محاصرا من كل اتجاه امام جهل وتخلف فئات من ابنائه وجدوا فى العنف طريقا للخلاص..ان العداء المعلن من عشرات الدول والشعوب فى العالم خطيئة كبرى فى حق هؤلاء الذين خرجوا حشودا ليس ضد العالم ولكن ضد شعوبهم, ان الأضرار والكوارث التى فعلتها داعش والقاعدة ضد شعوبها اكبر بكثير مما أصاب الآخرين فى عمليات ارهابية مجنونة.. والآن يقف العالم الإسلامى حائرا امام حشود داعش وهو يتساءل: ما هو الفكر الذى أخرج هذه الحشود الدموية وكيف تسربت حشود الجهل لتطفئ مصابيح النور والمعرفة واليقين فى عقول هذه الجماعات الضالة؟! .
> لا ادرى متى تلتئم جراح الانقسامات التى دمرت علاقات تاريخية بين الشعوب العربية ما بين طوائف دينية واخرى عرقية وقد انتشرت هذه الانقسامات بين الشعوب مثل السرطانات كم من الزمن سوف يحتاج الجسد العراقى المنهك لكى يلملم شظاياه وكم يحتاج الشعب السورى من الزمن والأموال لكى يعيد بناء سوريا بيوتا وارضا وناسا واوطانا..وكم يحتاج الشعب اليمنى لكى يداوى جراحه الدامية ما بين اطلاله المحطمة.. وكيف سيواجه الشعب الليبى محنة الانقسامات بين قبائله بكل ثوابتها وتاريخها فى العلاقات الإنسانية..وقبل ذلك كله متى يعود المهاجرون وقد تشردت صفوفهم بين بلاد الله شرقا وغربا واصبحوا اجزاء متناثرة لا يعرفون بعضهم بعضا..سوف يواجه العالم العربى محنة اخرى حين يأتى الحديث عن إعادة بناء ما خربته الحروب الأهلية فى الأماكن والأرض والبشر .. ومع محنة البترول وتراجع بل وانهيار اسعاره من أين تأتى مصادر تمويل كل هذه الكوارث وكل دولة تبحث لنفسها عن ملاذ؟!.
> وإذا كان إعادة بناء الأماكن ممكنا فماذا عن إعادة بناء البشر وماذا عن ملايين الأطفال الذين عاشوا مأساة الموت وشاهدوا مواكب وحشود القتل بعيونهم كيف يمكن علاج هؤلاء من آثار الموت والدمار وبينهم من قاوم الموت غرقا فى البحر ومن شاهد دماء ابويه ومن عاش طريدا فى بلاد الله.
> سوف يحتاج العالم العربى وقتا طويلا حتى يدرك ابعاد هذه المؤامرة الخبيثة ويمسك بخيوطها وهل كانت لأسباب خارجية ام انهم شركاء الوطن..وسوف يطرح هذا السؤال نفسه على شعوب هذه الأمة كيف وصل بنا الدمار الى هذه الدرجة وكيف احترقت اربع دول عربية كبرى فى وقت واحد هل هى لعنة البترول وهو يأخذ حشوده ويرحل, هل هى آفة الطغيان والاستبداد وما خلفته من اسباب الانهيار..هل هى الشعوب حين استسلمت لحكام طغاة..هل هى فتنة دينية كبرى شوهت عقيدة وقسمت شعوبا واستباحت اوطانا..هل هو الجهل والتخلف والأمية التى جعلتنا رغم كل مظاهر التقدم نستعيد حشود جاهليتنا الأولى..علينا ان نجلس من الآن وبعد ان تنقشع الغيوم لنراجع الأخطاء والخطايا ولا ادرى ماذا سيكتب التاريخ عن هذه الفترة من تاريخنا هل سيقول ان هذه الأمة التى دفعت آلاف الشهداء لتحرر إرادتها قد اعادت جيوش الإحتلال والاستعمار لتحميها من بعضها البعض..من كان يصدق ان تشهد بغداد حربا بين السنة والشيعة وقد عاشوا مئات السنين ابناء وطن واحد..من كان يتصور ان قبائل ليبيا واليمن التى عاشت وتصاهرت وتعاونت قد حملت السلاح تحت راية الإرهاب لتقتل وتدمر كل شىء .
> وسط هذا الحطام تأتى إلينا من الخارج صور الأطفال الهاربين من الموت فى بلادهم ليموتوا بين امواج لا ترحم, وتتناقل وكالات الأنباء والشاشات صور المطاردين فى الأرض والعالم يلقى بهم من موت الى موت ومن دمار الى دمار..تندفع الجيوش الأجنبية الى بلاد العرب بكل اسلحتها وهم يجربون وسائل الدمار فى شعوبنا وتسأل كيف وصلت بنا الأحوال الى هذه المأساة وهل يساوى المنصب مهما علا نهاية شعب وتدمير وطن..وأين العقلاء فى هذه البلاد أين النخب وأين رجال الفكر وأين المبدعون من كل لون..يتوقف الإنسان امام مأساة هذه الأمة وكيف تطورت الأحداث وزاد حجم الخراب واتسعت دوائر الإنقسام بين ابناء الشعب الواحد وبعد ان كانت لنا مآساة واحدة فى فلسطين اتسعت دائرة الجراح وانقسمت الأمة على نفسها ومع خراب المدن كان ضياع البشر وسقوط الهوية وإفساد العقائد والأديان..
> ايام عصيبة يعيشها الإنسان العربى امام نظم تحللت وسقطت وتاريخ يتهاوى وآثار دمرتها حشود الإرهاب والموت..لا يستطيع احد ان يتنبأ بما سيكون غدا هل تشتعل نيران حروب اكبر ومواجهات اسوأ على تراب الأرض العربية التى احتضنت يوما انبياء الله بكل الحب واليقين والسماحة..هل تتدفق انهار دماء جديدة بعد ان تهاوت ينابيع الخير فى بلاد العرب فى اكبر ثروات التاريخ..هل استبدلنا البترول بالدم واخترنا الموت بديلا للحياة والسؤال الأهم: ماذا سيقول التاريخ عن هذه الفترة من تاريخ العرب؟! .
*ينشر هذا المقال بالتزامن في جريدة الأهرام وبوابة العين الالكترونية*
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة