ربما يستطيع الإنسان أن يقف عند نقطة يختبئ خلف الكلمة أو الحرف خوفا من الإفصاح بالكامل.. ربما يكون هذا أمرا ممكنا فى بعض الأحيان
ربما يستطيع الإنسان أن يقف عند نقطة يختبئ خلف الكلمة أو الحرف خوفا من الإفصاح بالكامل.. ربما يكون هذا أمرا ممكنا فى بعض الأحيان ولكن ليس فى كل الأوقات. كانت تلك الجريدة العريقة ولا تزال تحمل شعار «صوت الذين لا صوت لهم». أليس لكل إنسان صوت ليس بالمعنى المجرد بل بالمعنى المجازى أى أن للإنسان فى كل مكان رأى هو كفيل بالدفاع عنه إن لزم. تغيرت الأزمان والأوقات والوجوه الواقفة عند حافة المقصلة وبقيت المقصلة هى هى تفصل تفاصيل الكلمة والحرف وتبحث خلف العبارة.. تنبشها بالكامل لتعيد تفسيرها وتصويرها على أنها معنا أم ضدنا!! هل تحمل كثير من الكره لنا أم الحب الفائض فى المديح الممجوج الذى يغلف النفاق..
هو الصوت أن تملكه فتكون إما أن تفقده فتتحول كما قالت تلك السيدة فى حلكة الليلة الأولى والبشر تسير فى تلك البلدة كالسائرين نياما أى دون نبض أو حركة، دون حتى صرخة أو كلمة.. قالت كلهم «إمعات» وعندما طلب منها التفسير قالت فقدوا العلم فلم يعد لديهم الرأى ولذلك فأصبح من السهل أن تحول ما تسميه تلك السيدة البسيطة فى المدينة المعتمة بالجوع، تسميه الإمعات!!! لفظ مرتبط هو الآخر بمن فقدوا صوتهم أو سلموه بأكمله لصالح الخليفة وهو ليس ذاك القادم من كتب التاريخ بل اننا لا نزال نعيش فى تلك الكتب أو ربما فى قبورها حيث تنوعت التسميات بينما كلهم خلفاء جمع الخليفة الأول فى التاريخ الأول للظهور الأول!.
***
عندما تفقد صوتك تتحول إلى مجرد رقم فى معادلة الأعداد المكتظة من البشر.. تتساوى مع الجماد وليس الحيوان الذى يكثر العامة من التشبيه به وكأنه لا يملك الصوت.. حتى الحيوان يملك الصوت النابع فى الكثير من الأحيان من القلب..
أسكتت الأصوات ربما بفعل القمع أو حتى بفعل المال أو الخوف أو كل العوامل مجتمعه. وآخرين أسكت صوتهم رغم أنهم يتصورون أنهم أحرار فى دنيا الحديث والرأى.. يخفضون صوتهم فى الأماكن العامة، يتقنون التفنن فى الانتقاد والنقد الذى يصل حد الشتيمة فى الغرف المغلقة وبين أشخاص لا يزيدون على أصابع اليد.. كثيرون منا يتصورون أنه لا يزال لديهم صوت يتحكمون به وهو ما يجسد وجودهم واختلافهم عن «القطعان» الذين يتصورون أنهم فقط من فئة قليلى التعليم أو نادريه.. شىء ما يصور لهم أن العلم يعنى أن لك صوت وهذا أمر تم إثبات قلة ــ إن لم يكن انعدام ــ صحته. فكلما زاد العلم والتعليم والشهادات التى تزين الجدران الباردة، كلما أصبح الصوت أكثر انخفاضا أو حتى خطف واختفى فى غرف الانتهازية والبحث عن منصب ما..
البعض يسلم صوته مستسلما أو بكثير الاطمئنان لآخرين ربما هم العائلة، أو القبيلة، أو الدولة، أو الحزب، أو الجماعة، أو المجموعة الثقافية، أو حتى أى مجموعة أخرى.. هكذا دون عناء يكون من الأسهل أن يقوم آخر بالتعبير عن الفرد أو أن يلقنه ما يقول فيصبح الصوت أعمى وأخرس معا!!
بعضهم وجد فى جريدة أو محطة أو أى وسيط تعبيرى هو الوسيلة للتعبير عن صوته وأسماعه للآخرين.. كما قالت كلوديا كاردينالى الإيطالية التونسية المولد والتى رددت أن السينما هى صوت من لا صوت لهم.. ربما تملك أيقونة الجمال فى السينما الكلاسيكية العالمية الحق فى أن السينما الحقة قامت بالتعبير كثيرا عن أصوات الكثير من البشر الخائفين، الخانعين أو حتى أولئك الذين اختفوا خلف الشمس!!!
ينخفض الصوت ربما عندما تعمى القلوب فالأصل هو القلب حتما ليصبح الإنسان حر بصوت حر حتى لو أدى ذلك للاختفاء خلف الجدران الشاهقة أو يتكدس مع الأجساد فى الغرف المكتظة بالأجسام المتعبة.. ينخفض الصوت تدريجيا حتى يختفى ويعود السؤال إلى موقعه أمام الصورة الأولى
أين صوتك؟
*ينشر هذا المقال بالتزامن في جريدة الشروق المصرية وبوابة العين الالكترونية*
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة