"حزب الله" عاريًا إلا من صفته الأصلية وهويته الحقيقية
هذا الحزب تحول إلى وحش فالت، إلى خطر وجودي يهدد الأمن العربي والسلم الإقليمي والدولي إلى الخطر، ولا شيء يميزه عن "داعش"
عانت الدول العربية عمومًا، والخليجية خصوصًا، منذ أكثر من ثلاثة عقود، من معضلة التعامل مع "حزب الله" اللبناني.
فهذه المليشيات -التي أنشأها ورعاها "الحرس الثوري" الإيراني بالتعاون مع أجهزة الاستخبارات السورية- غالبًا ما تنكبت أدوارًا أمنية وعسكرية متعددة الأهداف والغايات.
وإذا كانت نشأة الحزب المذكور قد ارتبطت بأولى عمليات التفجير الانتحارية، التي استهدفت القوة المتعددة الجنسيات في بيروت عام 1983، فدمرت مقر قوات البحرية الأمريكية ومقرًّا آخر للقوة الفرنسية، إلا أن شهرته "الإرهابية" المحض بدأت مع تفجير السفارة الأمريكية في بيروت بالفترة الزمنية عينها، وهو أمر يشابه في الأسلوب أول عمل تفجيري انتحاري بسيارة ملغومة قام به "حزب الدعوة" ضد السفارة العراقية في بيروت عام 1981.
هذا التشابه ليس صدفة، بقدر ما هو قرينة على المصدر، الذي أتت منه "العقيدة العسكرية" لهذين الحزبين: الحرس الثوري الإيراني.
وتوسعت "عمليات" ضرب المصالح الغربية، في ذاك الوقت، إلى خطف الرعايا الأجانب في لبنان، ثم تطورت إلى خطف الطائرات الأمريكية، ما جعل بيروت في منتصف الثمانينيات "أخطر مدينة في العالم".
أما أولى "العمليات الخارجية" المعروفة، فهي محاولة اغتيال أمير الكويت عام 1985، تلاها اختطاف الطائرة الكويتية في عام 1988، بعد ذلك لمع اسم "عماد مغنية" كمخطط ومدبر ومنفذ لمعظم هذه العمليات، الذي سيصير القائد العسكري غير المعروف لمليشيا "حزب الله".
كانت حيرة الدول العربية والخليجية في التعامل مع أفعال "حزب الله" ونشاطاته، متأتية من تشابك علاقة هذا الحزب مع الدولة السورية، التي كانت موضع "احتواء" و"تفهم" صونًا لوحدة الصف العربي، واعتبارًا لمصالح "دول الطوق" التي تواجه إسرائيل.
وكانت أيضًا تسعى إلى عدم قطع شعرة معاوية مع إيران، حفاظًا على أمن الخليج واستقراره، بأقل ضرر ممكن.. فحتى بعد تفجير "الخُبر" ورغم إعلان السلطات السعودية عن تورط عناصر من "حزب الله" فيه، ظلت المملكة تنتهج سياسة الاستيعاب والرد المحدود، عبر الأمن الوقائي، والمعالجة الموضعية.
يمكننا أن نتحدث عن "صبر تاريخي" هنا، ففي السنوات القليلة الماضية، تكررت في الكويت والبحرين والسعودية والإمارات تلك الأخبار عن اكتشاف خلايا مسلحة تخطط لعمليات أو مسؤولة عن عمليات إرهابية حدثت فيها ومرتبطة بهذا الحزب، من دون أن تتخذ الدول المعنية قرارًا جذريًّا وواضحًا وحاسمًا.
من المهم أيضًا فهم التردد الخليجي المديد في التصدي لـ"حزب الله" على نحو الشامل، ومردّه، تلك الملابسة الحميمة التي كان عليها الحزب في أدواره ووظائفه، فهو كان يضطلع في أعمال "المقاومة" ضد الاحتلال الإسرائيلي، ويرفع شعارات تحرير القدس انطلاقًا من جنوب لبنان، وهذا ما كرسه "اتفاق الطائف"، الذي أُنجز برعاية سعودية-خليجية ودولية، لإنهاء الحرب الأهلية وحل المليشيات.
واستثنيت القوة العسكرية لـ"حزب الله"، بوصفه مقاومة لبنانية تسهم في تحرير الأرض من الاحتلال الإسرائيلي، مما منح الحزب شرعية العمل العسكري والأمني، في زمن كان فيه العالم العربي، منذ مؤتمر مدريد، يخوض مفاوضات شاقة وصعبة ومتعددة مع إسرائيل، كان الفلسطينيون والسوريون واللبنانيون، يرون في "المقاومة" عنصر قوة مهمًّا في التفاوض وفي إجبار إسرائيل على تقديم التنازلات، وكانت الدول الخليجية تدعمهم بكل إمكانياتها، وتسخر قواها الديبلوماسية والاقتصادية لتحقيق الأهداف العربية.
وهي من أجل ذلك خاضت معارك دبلوماسية حتى بوجه الولايات المتحدة، من أجل التمييز بين "المقاومة" و"الإرهاب"، ولو تبين لاحقًا أن "حزب الله" لم يبذل مشقة هذا التمييز، بل لابسه وتموه به واستثمره، في الداخل اللبناني، وفي أنحاء الجزيرة العربية، وفي مدن العالم.
الأهم، بالنسبة للدول الخليجية أنها كانت شديدة الحرص على تحقيق الوفاق الوطني في لبنان، وترسيخ السلم الأهلي وإنجاح مشاريع إعادة الإعمار والبناء وإعادة لبنان كدولة مزدهرة يضطلع بأدواره الثقافية والاقتصادية والسياسية، ومن ثم تجنب أي إجراءات من شأنها أن تؤدي إلى صدامات داخلية أو توتر يقدم الذريعة لـ"حزب الله" أو لغيره، لإشعال الفتن أو الحرب الأهلية مجددًا.
كانت الاستراتيجية المتبعة؛ أن زوال الاحتلال سينتج عنه زوال أسباب وجود ذراع أمنية وعسكرية ومليشياوية للحزب المذكور، وسيتحول تلقائيًّا حزبًا سياسيًّا طبيعيًّا.
تبين أن ذلك كان وهمًا قاتلًا، فلا المشغل الإيراني ولا المستثمر السوري كانا يريا في "حزب الله" مجرد "مقاومة" محلية، بل هو "جهاز" عمليات فعال، خارج موجبات الدول ومسؤولياتها، ومنعتق من أي مساءلة قانونية أو سياسية. جهاز ينفذ بالإنابة عن "محور الممانعة" الأفعال التي لا تتحمل عبء مسؤوليتها حكومات رسمية.
الوهم القاتل إياه، وقعت فيه القوى السياسية اللبنانية، التي ظنت مع اندلاع "انتفاضة الاستقلال" 2005، أنها بمجرد نجاحها في التخلص من وصاية النظام السوري على لبنان، ستعيد إلى "حزب الله" رشده السياسي ويتقبل بديهيًّا "لبننة" كيانه ودوره، ويسلم سلاحه للجيش اللبناني، وينتظم في الحياة السياسية الديمقراطية، وطرحت على الحزب المذكور معادلة وطنية تكاملية: زواج "التحرير" عام 2000 (بوصفه إنجازًا وطنيًّا للحزب) مع "الاستقلال" عام 2005 (بوصفه إنجازًا وطنيًّا لعموم اللبنانيين). لم تدرك قوى 14 آذار مدى "تورط" الحزب عضويًّا في تركيبة "محور الممانعة" والتصاقه الحميم والبنيوي بالنظامين السوري والإيراني.
حينها كان "جواب" الحزب، استدراج إسرائيل عمدًا وقصدًا إلى حرب مدمرة عام 2006، غيرت وجهة الأحداث في المنطقة.. يومها كانت اللعبة مكشوفة إلى حد أن التصريحات السعودية كانت واضحة عن "المغامرين" الذين يعبثون قصدًا بالأمن القومي العربي، ويتسببون بدمار لبنان.
تمادى "حزب الله" في أدواره التخريبية لتصل إلى العراق ما بعد عام 2003، بالتكامل مع التآمر السوري الإيراني لنشر الإرهاب والفوضى وتقويض الجهود الدولية في بناء دولة عراقية جديدة بعد سقوط صدام حسين.
وتمادى أكثر في لبنان، بعد عام 2005، بعد تراكم الأدلة حول مشاركته النظام السوري في العديد من الأحداث الأمنية والاغتيالات السياسية، وبعد أن ظهرت أسماء قادة في الحزب كمشتبه بهم من قبل المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، بوصفهم متورطين في اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري ورفاقه.
وعلى نحو ما بذلته الدول الخليجية من جهود تجنب لبنان أي اضطراب، حاولت الدول الأوروبية التنصل من الضغوط الأمريكية لوضع "حزب الله" على لائحة الإرهاب، على الرغم من تراكم البراهين والتقارير الاستخباراتية الأوروبية حول نشاطات الحزب المشبوهة التي تجعله متورطًا في أعمال إرهابية في أوروبا وفي العالم، واضطرت بعد التفجير الدموي في بلغاريا عام 2012، أن تجترح "فذلكة" قانونية، بأن ابتدعت تمييزًا بين جناح عسكري وجناح سياسي لـ"حزب الله"، فجرمت الأول وصنفته إرهابيًّا، وحيدت الثاني من غير اتهام، ما جنب الدول الأوروبية قرارات وإجراءات تودي إلى "حرب سرية" يدفع ثمنها لبنان أولًا، عزلة واضطرابًا وانهيارًا.
خسر "حزب الله" ورقة التوت التي كانت تستره عام 2000، عندما انتفت ذريعة "المقاومة" بعد تنفيذ الجيش الإسرائيلي القرار الدولي 425، والقاضي بالانسحاب التام من الأراضي اللبنانية المحتلة، لقد فقد "شرعيته" الدولية منذ 16 عامًا، وفقد شرعيته الوطنية منذ 8 سنوات عندما استخدم سلاحه ضد إرادة اللبنانيين واحتل العاصمة، وفقد شرعيته الأخلاقية منذ خمس سنوات عندما تحول إلى جيش من مرتزقة يشارك في قتل الشعب السوري وتهجيره.
وفقد شرعيته السياسية، منذ 11 عامًا عندما رفض أن يكون حزبًا لبنانيًّا وتحول إلى منظمة تزرع خلايا الموت والقتل والإرهاب في اليمن والبحرين والكويت والسعودية، بل فقد شرعيته الدينية منذ سنوات كثيرة، حين صار معروفًا في تجارة المخدرات وتبييض الأموال وتوزيرها والاستثمار في الأسواق السوداء.
هذا الحزب تحول إلى وحش فالت، إلى خطر وجودي يهدد الأمن العربي والسلم الإقليمي والدولي إلى الخطر، ولا شيء يميزه عن "داعش" إلا تفوقه في المكر والخبرة والتمويه.