رحلة الجزائريين "المستحيلة" لشراء اليورو والدولار
معاناة الجزائريين لا تنتهي مع العملات الأجنبية، إذ يكلف الحصول على مبالغ بسيطة بالدولار أو اليورو أموالًا طائلة بالدينار
في الجزائر كما في تونس، تنتشر بكثرة أسواق غير رسمية لتصريف العملة الصعبة، يقبل عليها المواطنون نتيجة عدم قدرتهم على تحويل أموالهم عبر البنوك، غير أن التفاوت في سعر "اليورو" و"الدولار" بالعملة المحلية الدينار، كبير بين البلدين مقارنة بسعرها الرسمي.
غير بعيد عن مقر الحكومة بالجزائر العاصمة، يوجد "السكوار" وهي تسمية لساحة تحتضن أكبر سوق موازية للعملة الصعبة في الجزائر، يتزود منه المواطنون بكل أنواع العملات، اليورو الدولار الأمريكي الين الياباني الجنيه الإسترليني وحتى اليوان الصيني دخل مؤخرًا ساحة العرض، كما توجد أيضًا عملات عربية مثل الجنيه المصري والدينار التونسي والدرهم المغربي ولكن بكميات أقل.
الحق في 130 يورو فقط
ورغم أن هذا النوع من المعاملات ممنوع في الجزائر، إلا أن الإقبال على هذه السوق غزير بسبب الحاجة الملحة للمواطنين المقبلين على السفر أو المستثمرين إلى العملة الصعبة، في مقابل عدم توفر إمكانية التزود بالكميات المطلوبة من البنوك التي تكتفي فقط بصرف العملات الأجنبية مقابل الدينار، لكنها ترفض تحويل العملة الوطنية إلى عملة صعبة إلا في نطاق محدود للغاية.
قانون الصرف الجزائري لا يجيز مثلًا تحويل أكثر من 15 ألف دينار جزائري إلى عملة أجنبية، وهو مبلغ بسيط لا يتيح الحصول سوى على 130 يورو أو 140 دولار، هذا التحويل يسمى "المنحة السياحية" ويرخص به مرة واحدة في السنة لمن يريد السفر، ومع أن انتقادات كبيرة طالت الحكومة بسبب ضآلة مبلغ يكفي بالكاد لقضاء ليلة أو ليلتين في فندق بأوربا، إلا أنها رفضت رفعه.
غياب مكاتب الصرافة
وما يزيد من معاناة المواطنين وحتى الأجانب الزائرين غياب مكاتب صرافة رسمية بالجزائر، مما يجعل السوق الموازية الحل الوحيد لمن أراد الحصول على مبالغ بالعملات الأجنبية، ورغم إقرار الحكومة تشريعًا خاصًّا بمكاتب الصرافة إلا أنها لم تتلق أي طلب اعتماد؛ لأن هامش الربح المقترح في القانون لا يمكنه أبدًا منافسة الهوامش في السوق الموازية، وهو ما سيعود على هذه المكاتب في حال رأت النور حتمًا بالخسارة.
هذا الواقع أدى إلى اختلال كبير بين سعر صرف العملات الرئيسية مقابل الدينار بين السوقين الرسمية والموازية، إذ يصل الفارق أحيانًا إلى 50 أو 60%، حسب ما وقفت عليه بوابة "العين" الإخبارية. فمثلًا يصل سعر اليورو في السوق الرسمية إلى 119 دينار، بينما يلامس حدود 190 دينار في السوق الموازية، أما الدولار فسعره الرسمي يقترب من 109 دينار، في حين يباع بأكثر من 165 دينار في "السكوار".
سوق العملة في تونس
مقارنة بسيطة مع تونس مثلًا، تكشف أن الفوارق بين سعر العملة في السوق الرسمي والموازي أقل بكثير عما هي في الجزائر، إذ أتاحت جولة قصيرة لـبوابة "العين" الإخبارية في مدخل القصبة بالعاصمة تونس، حيث تنتشر بكثرة تجارة العملة، إدراك هذه الحقيقة في كلا البلدين، فالمائة اليورو تباع هنا بـ 225 دينار تونسي أما الدولار فبـ205 دينار، وسعرهما في مكاتب الصرف الرسمية، هو 219 و200 دينار تونسي على التوالي، أي أن الفارق لا يتجاوز 10%.
يقول التوانسة إن عملتهم المحلية ضعفت في الفترة الأخيرة بسبب تراجع أداء الاقتصاد، إلا أن قيمتها لا تزال قوية جدًّا مقارنة بعملات أخرى، وقد يكون ذلك مقصودًا من البنك المركزي التونسي لإبقاء مستوى دخله من العملة الصعبة خاصة عبر السياحة في مستويات مقبولة، ففي حال انهيار الدينار التونسي ستقل معدلات صرف الأجانب في تونس، والبلد لا يملك مصادر دخل متنوعة بالعملة الصعبة تجعله يعوض هذه الخسائر.
سياسة نقدية
ومن وجهة نظر متخصصة، يوضح الخبير المالي فرحات آيت علي، أن أسباب الفوارق الكبير بين سعر العملة الرسمي والموازي في بلدان المغرب العربي، تتعلق بالسياسة النقدية لكل دولة ولا علاقة لها بقوة أداء الاقتصاد أو مستويات النمو.
ويشرح الخبير في تصريح لبوابة "العين" الإخبارية فكرته قائلًا: "في تونس يتم احتساب السعر الرسمي للعملة الصعبة بالاعتماد على ما يوجد من احتياطي في البنك المركزي من هذه العملة، كما أن إمكانية الحصول على العملة بالنسبة للمواطنين يجعلان من السوق الموازي أحيانًا دون جدوى، وهذا ما ينطبق على المغرب أيضًا".
ويضيف عن الحالة الجزائرية : "لكن في الجزائر يتم احتساب سعر العملة الصعبة انطلاقًا من التوازنات بين احتياطي العملة لدى البنك المركزي وحاجة السكان من المواد المستوردة، بالإضافة إلى عدم القدرة على تصريف العملة في البنوك إلا بكميات محدودة جدًّا وهو ما جعل السوق الموازية ضرورة لتلبية لحاجة الملحة للعملة الصعبة سواء بالنسبة للمواطنين أو بعض رجال الأعمال".
تغذية عشوائية للسوق
وعن أسباب الارتفاع الكبير في سعر العملات الأجنبية قي الجزائر، يشير الخبير المالي إلى أن "السوق الموازي للعملة يتم تغذيته بطريقة متقطعة وعشوائية وبحسب تدفقات غير منتظمة في الغالب. لذلك نلاحظ أنه في بعض الأسابيع يكون متشبعًا وفي أسابيع أخرى لا يستطيع تلبية الطلب، وهذا ما يفسر الصعود والهبوط المفاجئ في سعر العملة الصعبة مقابل الدينار".
هذا لا يمنع طبعًا –- من أن "هناك عوامل أخرى مثل الإشاعات والتصريحات الرسمية والقرارات التي يكون لها أثرًا مباشرًا مثل تلك المتعلقة بتشديد الرقابة على حركة رؤوس الأموال نحو الخارج".
ويتوقع فرحات آيت علي أن يتضائل الطلب العادي للمواطنين على العملة الصعبة بسبب التضخم وضعف القدرة الشرائية، وبالتالي تراجع السفر إلى الخارج. من جانب آخر سيبقى الإقبال عند نفس المستويات بالنسبة للذين يريدون تحويل الأموال للخارج من أجل استثمارها بعيدًا عن الآليات الرسمية التي يتحكم فيها بنك الجزائر.
الحل ممكن
ويؤكد في المقابل على أن السعر الحقيقي لليورو إذا وصل إلى 160 دينار، فإنه لن يكون أعلى في السوق الموازية؛ لأن نقص الدينار سيولد ضعفًا في الطلب على اليورو وبذلك سينخفض سعره.
ويبقى الحل الوحيد في اعتقاد الخبير للقضاء على السوق الموازية هو تمكين المواطنين من تحويل نسب معقولة من العملة الصعبة مع تطبيق سعر مدروس للمقابل الحقيقي للعملقة الأجنبية مقابل الدينار.
aXA6IDMuMTQyLjI1NS4yMyA= جزيرة ام اند امز