200 عام من النهب المنظم للآثار المصرية
أكثر من 200 عام وثروة مصر من الآثار القديمة يتم نهبها والسطو عليها بشكل منظم وعبر عصابات دولية ضخمة ركزت بؤرة نشاطها الإجرامي في مصر
«نهب آثار مصر».. ليس عنوانا لواحد من أشهر الكتب التي تناولت قضية سرقة الآثار المصرية والسطو عليها عبر العصور، بل صار لافتة عريضة لأنشطة متزايدة ومدمرة للصوص الآثار ومهربيها خلال السنوات الأخيرة التي أعقبت ثورة يناير 2011، أكثر من مائتي عام وثروة مصر من الآثار التي لا تقدر بمال يتم نهبها والسطو عليها بشكل منظم وعبر عصابات دولية ضخمة ركزت بؤرة نشاطها الإجرامي في مصر خلال السنوات الخمس الماضية.
مع تصاعد عمليات النهب والسرقة، وتعرض اثنين من الخفراء المصريين المكلفين بحراسة أحد المواقع الأثرية بالمنيا للقتل على يد لصوص الآثار في الآونة الأخيرة، اتخذت مجموعة من الخبراء والمتخصصين في التراث والمحافظة على الآثار من لقاء مصري-أوروبي في القاهرة منصة لاستعراض الحوادث المتعلقة بالآثار المصرية خلال السنوات القليلة الماضية، وبحث سبل التعاون الدولي في مجال حماية المواقع الأثرية واستعادة المنهوب منها.
سجل الحوادث والسرقات خلال السنوات الأخيرة تصنع مجلدًا ضخمًا، عشرات من الحوادث والاعتداءات صاحب بعضها جرائم قتل أيضًا للقائمين بالحراسة.. بدأت هذه الموجة من النهب والسرقة فعليًّا خلال ثورة 25 يناير بتعرض المتحف المصري ومخازن الآثار الملحقة به للسرقة، وصولًا إلى نهب متحف ملوي بالمنيا الذي تم سرقة 1089 قطعة أثرية منه في أغسطس 2013.
كذلك تعرضت مقبرة جحوتي حتب، وهي من الأسرة الثانية عشرة من الدولة الوسطى بدير البرشا بالمنيا، لجريمة سرقة، على يد لصوص انتزعوا الجدران الفريدة لتهريبها، لم تقتصر السرقة على الآثار الفرعونية فقط، بل طالت أي أثر ينتمي لحقب تاريخية ولو متأخرة نسبيًّا، يد النهب والسرقة امتدت إلى عدد من الآثار الإسلامية، مثل منبر قايتباي الرماح، وحشوات باب مسجد السلطان المؤيد شيخ أمام باب زويلة بالجمالية، وتم سرقة 4 من أروع المشكاوات الإسلامية الأثرية المصرية النادرة بعضها منسوب إلى كل من السلطان حسن والسلحدار، ومن المؤسف أن اكتشاف السرقة تم في العاصمة البريطانية بواسطة الخبيرة المصرية البروفيسور دوريس أبو سيف أستاذ تاريخ الفن والحضارة بجامعة سواس SOAS في لندن.
وأثار خبر سرقة خرطوش الملك خوفو وقطع أثرية أخرى من منطقة الهرم في عام 2014 وتهريبها خارج مصر ضجة كبيرة دونما فائدة، وبالمثل، جرى سرقة 76 عينة أثرية من المتحف الكبير، الذي ما زال قيد الإنشاء، نتيجة الإهمال.
كما سرق لصوصٌ لوحة سبيل محمد كتخدا بالدرب الأحمر، وهي إحدى اللوحات الجميلة في زخرفتها وكتابتها، وتعلو شباكة السبيل مباشرة، تلك اللوحة بالنسبة لأي أثر هي بمنزلة شهادة الميلاد.
وكان المستشار أشرف العشماوي، القاضي الذي تم انتدابه للتحقيق في جرائم سرقة الآثار، أطلق صيحة إنذار ودق ناقوس الخطر عبر كتابه الذي لم ينل أي اهتمام من قبل الجهات المختصة «سرقات مشروعة ـ حكايات عن سرقة آثار مصر وتهريبها»، تتبع العشماوي في هذا الكتاب/ الوثيقة صفحات مجهولة من تاريخ سرقة ونهب وتهريب آثار مصر وتراثها في القرنين الأخيرين، مما أدى إلى وجود أكثر من نصف الآثار المصرية في الخارج في ظل حماية قانونية أحيانًا، ارتضت نظام "اقتسام الآثار" التي قامت البعثات الأجنبية باكتشافها، إضافة إلى عرض بعضها للبيع بشكل رسمي، وسماح بعض الحكام والمسؤولين لأنفسهم بإهداء المئات من القطع الأثرية النادرة لملوك وقادة أوروبا! وصولًا إلى سرقة الآثار ونهبها وتهريبها عبر تشكيلات عصابية منظمة، محلية ودولية، جعلت من الأراضي المصرية نشاطًا رئيسيًّا لها.
(اللقاء المصري-الأوروبي بشأن حماية التراث ومكافحة الاتجار غير المشروع بالممتلكات الثقافية) جاء في هذا التوقيت الذي تتعرض فيه الآثار المصرية لموجة غير مسبوقة من النهب والتهريب، وفي إطار تقريب الهوة بين البلدان صاحبة الحضارات القديمة في الشرق التي أضحت سوقًا مفتوحًا لتداول القطع الأثرية في الغرب.
مدير عام المضبوطات الأثرية بوزارة الآثار المصرية، علي أحمد قال، إن إحدى أبرز المشكلات المتعلقة بسرقة وتهريب الآثار المصرية حاليًا هي وجود تنظيمات إجرامية دولية تخصصت في مثل هذه النوع من السرقات أصبحت لها أذرع ممتدة عبر أكثر من قارة.
وأوضح أن هذه التنظيمات الإجرامية طورت من أساليبها بحيث أصبحت تنقل القطعة المهربة من مصر عبر عدة دول مختلفة قبل وصولها إلى محطتها النهائية، حيث تعرض للبيع، وذلك بهدف تصعيب عملية تتبع مسار القطع الأثرية، وكذلك تصعيب الأمر السلطات المصرية في إثبات خروج القطع من البلاد بصورة غير شرعية، وأكد أن "التفاوض" يظل الوسيلة الأفضل والأسرع لاسترداد القطع الأثرية المهربة للخارج إذ تستغرق إجراءات التقاضي في بعض الأحيان "عدة سنوات".
أما هاركو وليام أستاذ دراسات الشرق الأدنى بالجامعة الكاثوليكية في ليوفن ببلجيكا، فتناول بعضًا من المخاطر المحدقة بالمواقع الأثرية المصرية خاصة في صعيد مصر والمتمثلة في التعدي بالبناء والإشغالات على المواقع الأثرية وتغيير البيئة المحيطة.
وأشار وليام إلى مشكلة أخرى وهي "الخفراء" وحراس المواقع الأثرية الذين قتل منهم اثنان في فبراير الماضي في موقع دير البرشا الأثري أثناء التصدي لمجموعة من لصوص المقابر الأثرية. وقال: "تتمثل المشاكل المتعلقة بهم (الخفراء) في قلة عددهم مقارنة بالمساحة التي يحرسونها، وكذلك ضعف تدريبهم وتسليحهم في مواجهة الأسلحة التي يحملها لصوص الآثار".
في ما يخص الجانب الأمني، تقدم بعض من المشاركين في اللقاء بتوصيات لتعزيز حماية المواقع الأثرية ومكافحة تهريب الآثار وسبل تعقبها بالخارج، منها:
حث المجتمع الدولي للسير نحو تقليص السوق غير المشروع للاتجار بالآثار عن طريق الدخول في معاهدات واتفاقات ثنائية تسد الثغرات الموجودة باتفاقية باريس 1970 التي وضعتها منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو).
إيجاد قنوات اتصال وتبادل للخبرات بين الدول صاحبة الحضارات التي تتعرض للسرقات والنهب لتطوير سبل مكافحة هذه الجرائم.
ضرورة احتفاظ دور المزادات ببطاقة بيانات خاصة بكل قطعة أثرية تبيعها تكشف عن شريعة ملكيتها والأيادي التي تناقلتها منذ خروجها من البلد الأصلي.
التصدي لبيع القطع الأثرية عبر المواقع الإلكترونية وتعقب مواقع الإنترنت التي تعمل كوسيط بين المهربين وهواة جمع التحف عالميًّا.
تنمية الوعي المجتمعي بأهمية مكافحة تهريب الآثار وإشراك جمعيات ومؤسسات المجتمع المدني في تنظيم الحفاظ على التراث.
تعزيز أعداد القائمين على حماية المواقع الأثرية وتدريبهم وإمدادهم بوسائل تكنولوجية حديثة وتسليح متناسب مع طبيعة الأماكن التي يحرسونها وإقامة أسوار وتحديد الحيز المساحي للمواقع الأثرية من أجل ردع اللصوص وإبراز هويتها الأثرية.