ليبيا.. من المجلس الإنتقالي إلى الثنائية الحاكمة
صراعات ميدانية وأخرى سياسية..وأطراف دولية تحرك الأوضاع الليبية
لم يشهد الوضع الليبي منذ سقوط نظام معمر القذافي استقرارا، وبقيت الأوضاع متحركة تحت أقدام الليبيين.
لعلّه بات من الصعوبة بمكان، تحديد ملامح المشهد السياسي في ليبيا، بعد أربع سنوات من انتهاء نظام سابق، وحلول ملامح متابينة لأنظمة كثيرة أتت من بعده، لم يتمكّن فيها من هم على رأسها بعدُ، من ترجمة الأحلام والآمال التي عقدها الشعب إلى واقع ملموس، ويرسم صور التفاؤل بما هو آت، حيث أخد نظام الحكم في ليبيا -خلال عهدها الجديد- أنماطًا عدّة، بدءًا من المجلس الانتقالي، ومرورًا بالمؤتمر الوطني العامّ، إلى مجلس للنواب، حتى بلوغ الثنائية الحاكمة الآن، والمتمثلة في جسمين يرى كلّ منهما أنه شرعي ويمتلك مبررات شرعيته، سواء المؤتمر الوطني العامّ، أو مجلس النواب الليبي.
هذا الازدواج في أداتي الحكم في ليبيا حتمًا كان سيولّد أنواعًا وأشكالًا عدّة من الصراع، والتي ترتدي الزيّ السياسيّ -أحيانًا- وتتوشح بالخطاب الإعلامي أحيانًا أخرى، وتتغطى بأبشع قناع للصراع في أحيان عدة، وهو قناع الحرب والصدامات المسلحة؛ إذ أفرز هذا الصراع ما يعرف بعملية الكرامة، والتي تمثل -بشكل أو بآخر- توجّه البرلمان، وكذلك مواجهة من قبل قوات فجر ليبيا، والتي تُحسب -بصورة أو بأخرى- على المؤتمر الوطني العامّ.
مع كل هذه التجاذبات بين الطرفين، بات لزامًا على أطراف أخرى، أن تتواجد ضمن أرقام المعادلة الليبية، ولعل أبرز هذه الأرقام هو الأمم المتحدة وأدواتها المختلفة، وكذلك دول الجوار، والتي وجدت نفسها -بأي حال- جزءًا من هذا المشهد. أما الوقود الرئيسي لتسريع وتيرة عمل هذا الخضمّ؛ فهو تلك الدول التي لا هي أممٌ متحدة، ولا هي دول جوار، ولكن يعنيها جدًّا أمر الحالة الليبية (وهنا نعني تلك الدول الغربية الكبرى، التي كانت ولا تزال لها عديد من المصالح في ليبيا، وعلى وجه الخصوص المصالح الاقتصادية). كذلك تلك التي بات يصلها بعض الضرر من الحالة الليبية الراهنة؛ جراء هذا التسونامي القوي من الهجرة غير الشرعية، والتي تتخد من الشاطئ الليبي بوابة لبلوغ الشاطئ الجنوبي لأوربّا. وهنا بتنا نرى مبعوثًا يأتي من هنا، ومندوبًا يأتي من هناك، وآخر يجتمع مع طرف، بينما زميله يلتقي الطرف الآخر، حتى بلغت سفينة المفاوضات الليبية شاطئ مدينة الصخيرات المغربية، والتي كانت مقرًّا للمفاوضات بين الأشقاء، تلك المدينة التي عقد عليها الليبيون الآمال في أن تكون شاطئ الأمان الذي يُنهي حالة الانقسام والفرقة، ولكن يبدو أن الربّان الإسباني برناريدنو ليون -الذي كان يمثّل الأمم المتحدة في هذا الحوار الليبي الليبي- لم يتمكن من نيل رضا كل الأطراف؛ حيث تمخضت مفاوضاته المارثونية، عن مقترح لحكومة يُرى أنها توافقية، والتي تضمنت بعض المفاجآت، والتي كذلك لم تخل بعض شخوصها من جدل وعدم اتفاق! ما جعل المشهد -إلى حدّ ما- يكرر نفسه من جديد، دون صورة نهائية حاسمة، تجعل كل الأطراف على اتفاق.
لربما تغليب مصلحة الوطن -أو ضغوط من أي قوىً أخرى، تزامنًا مع رتابة الحالة السياسية- عوامل عدة، قد يكون بعضها -أو مجملها- قد أفرز لقاءً غير رسميّ بين الطرفين خلال اليومين السابقين، وبحضور ممثلين عن كلٍّ من المؤتمر الوطني العامّ، وآخرين عن مجلس النواب الليبي، أفضى إلى ما يمكن أن يوصف بأنه بداية البداية لاتفاق مأمول، إذ إن اللقاء -وبشكل مباشر بين الطرفين- يشكّل في حدّ ذاته حدثًا كبيرًا، وبعض ما تسرّب عنه ينبئ ببوادر انفراج بات يرى كلا الطرفين أنه لا يحسم إلى اتفاق ليبي/ ليبي. إذ ذكر السيد عوض عبدالصادق -النائب الأول لرئيس المؤتمر الوطني العامّ في تصريح له على قناة النبأ الليبية- أنه قد تم اللقاء المباشر مع أعضاء غير مقاطعين من البرلمان، وأن هذا اللقاء امتدّ لأكثر من أربع ساعات. وكان قد وصف اللقاء بأنه متشعب، وقد تم خلاله تناول عديد من القضايا التي من شأنها أن تُسهم في تعبيد الطريق لأجل الوصول إلى لقاء مباشر، يتصف بالرسمية، سعيًا نحو إيجاد حلٍّ للأزمة الليبية. ولعل أبرز ما يدعو للتفاؤل -في تصرح عضو المؤتمر- أنه أشار إلى أن كلا الطرفين قد عقد العزم على أن يكون هناك حلّ يتوافق عليه الليبيون قبل نهاية العام. ولعل القادم من الأيام سيبدي مجريات هذا اللقاء واللقاءات التي يفترض أن تليه.
يأتي هذا التصريح في ظل إجماع إقليمي ودولي على إيجاد مخرج للأزمة الليبية، يُجنّب البلاد خطر التقسم أو أيًّا من أشكال الوصاية، بينما لا يزل المواطن الليبي يترقب انفراج بين السياسيين؛ عله يجعله يجابِه به متطلبات حياته، ويعيش الحياة الكريمة، التي طالما حلم بها.
aXA6IDE4LjE5MS4yMDAuNDcg جزيرة ام اند امز