ويتحدث الجميع عن داعش وكأنه الخطر الوحيد في العراق بالرغم من أن الميليشيات القوية المدعومة من طرف أو آخر
مهد الحضارات تعاني من غياب التحضر السياسي والمدنية، والمواطنة كلمة لا يعرف حتى معناها المواطن العراقي من أجيال النكبة الطائفية وسنوات كذبة إنقاذ مستقبل العراق العجاف، فبعد عشرة آلاف سنة من استيطان الإنسان لبلاد ما بين النهرين حيث بدأ أول نظام حياة حضري استقر فيه الإنسان، رجعت العراق أول السلم لتعاني من تلوث بيئي وإشعاعي وغذائي ومائي، وهبوط مستوى كل الخدمات الأساسية الحيوية، وفساد مالي، وضعف البنى التحتية لاقتصاد مستدام، وقتل وتشريد وعدم الأمن والأمان، فالعراق التي يوجد بها احتياطات نفطية هي الخامس عالمياً، بـ 140 مليار برميل، كثاني أكبر منتج في أوبك بعد المملكة العربية السعودية يموت أطفالها من البرد والجوع.
ومن حيث النسب المناطقية تمتلك مناطق الجنوب وبالتحديد محافظة البصرة على ما يقارب من 59% من إجمالي احتياطي النفط العراقي المؤكد، ويشكل الاحتياطي النفطي لمحافظات البصرة وميسان وذي قار مجتمعة حوالي ثمانين مليار برميل، أي نسبة 71% من مجموع الاحتياطي العراقي، أما الوسطى والشمالية- كركوك تحتوي على قرابة 12 بالمائة من إجمالي الاحتياطي من النفط، وهذه النسب مهمة لكل المشاركين في الصراع العراقي وتقسيم العراق والصراع السني الشيعي الكردي على موارد الدولة والخاسر الأكبر هنا السنة حسابياً.
العراق أكثر الدول طائفية في العالم وليس في المنطقة فقط، والمواجهة بين دول الخليج وإيران مؤثرة تأثيرا عميقا على العراق ومستقبلها كدولة موحدة، بجانب المصالح التركية، كما أن مسألة وحدة التراب العراقي تحت التهديد المباشر الآن أكثر من أي وقت مضى، ولربما تأخر الحل كثيراً، والتشرذم الرسمي قادم لا محالة، وهو ناجم عن العداء بين الجماعات العرقية والطائفية في العراق، والذي لم يكن يمثل قضية في السابق في ظل نظام حكم مركزي قوي ومحدودية التدخل الخارجي في العراق ككيان ودولة مستقلة، أما اليوم فالعراق لا يحكمها العراقيون، والوضع حتماً سيزداد سوءاً بسبب وقوع العراق في بؤرة صراع دولي عملاق، والانهيار في أكبر دول الجوار العربية الحدودية وهي سوريا، وتصدير المتمردين والمدافعين عن ملة أو طائفة أو عرق للعراق، والعكس صحيح، وعودة المقاتلين الأكراد إلى شمال العراق ليس إلا المسار الأخير في تقطيع أوصال البلاد.
ويتحدث الجميع عن داعش وكأنه الخطر الوحيد في العراق بالرغم من أن الميليشيات القوية المدعومة من طرف أو آخر، والميليشيات الرئيسية منخرطة أيضا في سلوك يؤدي إلى تعميق الانقسامات الطائفية والعرقية في العراق وتعقيد قدرة البلاد على التعافي وحماية أرواح المدنيين وإعتقال مئات، ولا نبالغ إن قلنا آلاف الأشخاص أو اختفاءهم ببساطة عبر وسط وشمال العراق في الأشهر الأخيرة، والجثث التي يعثر عليها مكبلة اليدين ومصابة بأعيرة نارية في مؤخرة الرأس في أجزاء مختلفة من البلاد، هو ليس فعل داعش فقط بل الميليشيات الطائفية وغير المنظمة وغير الخاضعة للمساءلة هو سبب أدى لتزايد انعدام الأمن في البلاد وعدم الاستقرار.
ويستغرب تورط الحكومة مع الميليشيات ضمنياً أو في عمليات مشتركة لا تمتّ إلى مفهوم وحدة واستقلالية واحترافية عناصر الأمن والجيش والشرطة بصلة، حيث إن بعض الميليشيات الشيعية بالتحديد يفوق عدد بعض تشكيلاتها تشكيلات الجيش العراقي، من حيث عدد القوات المقاتلة، وتعد سلطة وقوة فاعلة على أرض الواقع، وحدث في بغداد وسامراء وكركوك أنه دفعت بعض العائلات عشرات الآلاف من الدولارات كفدية للميليشيات، ويكفي أن الحشد الشعبي أكبر قوة برية تقاتل داعش في العراق، وهي قوات شبه عسكرية تابعة للمؤسسة الأمنية العراقية وداعمة للجيش العراقي، تم تشكيلها بظرف طارئ بعد فتوى الجهاد الكفائي التي أطلقتها المرجعية الدينية السيستاني.
ويتألف الحشد من مئات الآلاف من الشباب العراقي الذين ينضوون في أكثر من 42 فصيلاً، بعضها له وجود سابق على فتوى السيد السيستاني وولاءاتهم مذهبية صرفة، ومن العينات على تلك الفصائل سرايا السلام على سبيل المثال، ونواة هذه السرايا هي جيش المهدي التابع للسيد مقتدى الصدر، ومنظمة بدر، ويتمتعون بتسليح قوي، وهم بوابة عبور السلاح الإيراني للعراق، فالحشد بكل بساطة امتداد للحرس الثوري الإيراني بثوبه العربي، ولم يلتفت أحد لخطورتهم والتركيز مرة أخرى على داعش، وإهمال خطورة الحشد سيلغي بظلاله على انهيار الدولة العراقية، وبدل أن يواجه العرب المدَّ الصفوي الفارسي سيضطرون لمواجهة التوسع الشيعي العربي هذه المرة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة