تحليل وراثي يكشف تاريخ المغامرات الجنسية للإنسان العاقل
معلومات وراثية توضح حدوث 4 وقائع من التزاوج الداخلي أو زواج الأقارب منذ عشرات آلاف السنين، منها 3 مع النياندرتال، وواحدة مع دينيسوفان.
خاض النوع البشري (هومو سابينس)، أو الإنسان العاقل الذي ننتمي إليه، تاريخًا حافلًا بالمغامرات الجنسية المتهورة أكثر مما يعتقد من قبل، فيما تركت جميع هذه الزلات القديمة آثارها التي لا تمحى على الطاقم الوراثي البشري (الجينوم).
قال العلماء، إن تحليل المعلومات الوراثية المأخوذة من نحو 1500 شخص من مواقع شتى في أرجاء المعمورة أوضح حدوث 4 على الأقل من وقائع التزاوج الداخلي أو زواج الأقارب منذ عشرات الآلاف من السنين، منها ثلاثة مع أبناء عمومتنا من إنسان النياندرتال، وواحدة مع نوع منقرض غامض من الجنس البشري يدعى مجموعة إنسان دينيسوفان.
ويمثل السكان الذين يعيشون على جزر ميلانيزيا النائية بالمنطقة الاستوائية المجموعة البشرية الوحيدة التي تمتلك مستوى لا بأس به من نسل السلالة البشرية لأسلاف من إنسان دينيسوفان، ولدى هؤلاء السكان من ميلانيزيا أيضًا –مثلهم مثل معظم العشائر البشرية الأخرى- آثار من النسل الوراثي لأجدادنا الأوائل النياندرتال.
لكن الباحثين وجدوا أن بعض الجينات الموروثة من هذه الأنواع البشرية المنقرضة ذات فائدة لجنسنا البشري.
وقال جوشوا آكي، عالم الوراثة والتطور بجامعة واشنطن، والذي أسهم في هذا البحث المنشور بدورية (ساينس)، إن الكثير من هذه الجينات يرتبط بالجهاز المناعي، وربما أسهم في الوقاية من الكائنات المسببة للأمراض، ولعب البعض منها دورًا مهمًا في بيولوجيا الشعر والجلد.
قام الباحثون بتحليل تسلسل الحمض النووي الريبوزي (دي إن أيه) من 35 شخصًا يعيشون في جزيرة ميلانيزيا الشمالية قبالة سواحل غينيا الجديدة، ووجدوا أن لدى هؤلاء السكان نحو 2% من موروثات إنسان النياندرتال، علاوة على مادة وراثية إضافية تمثل نسبة تتراوح بين 2 إلى 4% من إنسان دينيسوفان.
وقال آكي، إن العشائر البشرية من غير الأفارقة التي تناولتها الدراسة كان لديها نسبة تتراوح بين 1.5 إلى 4% من إنسان النياندرتال، أما العشائر الأفريقية فلم يكن لديها أي موروثات من نسلي إنسان النياندرتال أو دينيسوفان لأن هذين النسلين لم يعيشا على أراضي هذه القارة.
ولم يتم اكتشاف إنسان الدينيسوفان إلا في السنوات العشر الأخيرة، وأمكن الاستدلال عليه من خلال عظام الأصابع والأسنان التي عثر عليها في كهف بشمال سيبيريا.
وازدهر إنسان النياندرتال المتين البنيان الكثيف شعر الحاجبين في ربوع قارتي أوروبا وآسيا منذ نحو 350 ألف عام، وانقرض بعد وقت قليل منذ 40 ألف عام، وبعد أن وطأ الإنسان الحديث أوروبا قادما من إفريقيا، أما إنسان الدينيسوفان فلا يعرف عنه الكثير.
وقال آكي، إن حقيقة أن الآثار الوحيدة المعروفة عن إنسان الدينيسوفان قد عثر عليها في شمال سيبيريا لكن تم رصد موروثها الجيني في أناس كانوا يعيشون في مناطق بعيدة بجزر ميلانيزيا، يشير إلى أن إنسان دينيسوفان كان لديه انتشار جغرافي واسع يمتد في أنحاء آسيا.
وقال أندرو ميريويذر، عالم السلالات البشرية الجزيئية بجامعة برمنجهام، إن الباحثين رصدوا أيضًا إسهامًا وراثيًّا في الجينوم البشري من مصدر رابع مجهول.
وأضاف: "لذا فإن ذلك يرسم صورة يحتمل أن تضم 4 أنواع على الأقل من جنسنًا البشري وأنواع بشرية أخرى منقرضة كانت تعيش آنئذ، وظلت تتزاوج داخليًّا على مدى عصور استمرت 100 ألف عام".
وعلى الرغم من السمعة التي عفا عليها الزمن القائلة بأن إنسان النياندرتال كان أخرق ومتواضع القدرات الذهنية، ولم يكن بمقدوره البقاء على قيد الحياة ومغالبة إنسان العصر الحديث الحاذق والأكثر ذكاء، يقول العلماء، إنه كان يتمتع بتوقد الذكاء وبقدرات ماهرة في الصيد، وربما يكون قد استخدم لغة للتخاطب والتواصل والإشارات الرمزية علاوة على القدرة على استئناس النار.