جدل في مصر حول مستقبل الصحف: الإبداع والإصلاح يضمنان النجاة
رجل الأعمال والإعلام محمد الأمين يرى أن زوال الصحافة الورقية بات أمرا حتميا، بينما يرى خبراء أن الإبداع والتوجه النوعي يكفلان البقاء.
تمر صاحبة الجلالة في مصر بغابة من الأزمات المعقدة والمتشابكة في ظل متغيرات جديدة شهدتها الساحة السياسية والاقتصادية والاجتماعية خلال السنوات الخمس الأخيرة، بما يجعل مسألة تغير شكل الصحافة الورقية في مصر أمرا شبه حتمي، وضرورة لا بد منها لمواكبة المتغيرات التكنولوجية التي يعيشها العالم بأسره.
وينقسم الخبراء إلى فريقين، الأول يرى حتمية زوال الصحافة الورقية بسبب الأزمات المالية وتغوّل الصحافة الإلكترونية، والثاني يرى إمكانية إنقاذها وبقائها عبر وسائل عدة.
يقول حسن مكاوي، عميد كلية إعلام القاهرة، إن العمل الصحفي بشكل عام هو إبداع بالأساس، الأمر الذي يحمي الصحافة الورقية على مستوى العالم، وليس في مصر وحدها، من الاندثار، لافتا إلى أن الإبداع يتطور ولا يندثر، مستشهدا بقدرة الراديو على البقاء حتى الآن في ظل التنافس المحموم من قبل كافة الأشكال الإعلامية المصورة الأكثر إبهارا.
مكاوي أضاف أن أزمة الصحافة الورقية في مصر تتمثل في تراجع قدرتها على التوزيع، مما انعكس على استمرار انخفاض أعداد النسخ المطبوعة، وأرجع السبب في ذلك إلى الارتفاع المستمر في أسعار النسخ المطبوعة وسط حالة من تراجع أعداد المهتمين بالقراءة نتيجة الأوضاع التعليمية المتردية، وارتفاع معدلات الفقر في مصر.
وشدد على ضرورة أن تتخذ الصحافة الورقية عددا من التدابير لجذب القراء عن طريق انتهاج نهج مختلف يتمثل في تقديم التحليل العميق للأخبار وانعكاساتها على المستقبل، الأمر الذي لا يستطيع الإعلام الحديث الوصول إليه حتى الآن.
كما طالب بإعادة هيكلة المؤسسات الصحفية على المستوى الإداري والبشري، خاصة الصحف المملوكة للدولة، والتي يجب أن تتخذ تدابير للقضاء على ديونها المتراكمة وإنهاء حالة الترهل الإداري.
في المقابل، يرى رجل الإعمال محمد الأمين، رئيس غرفة الإعلام المرئي والمسموع وأحد أبرز مالكي وسائل الإعلام الخاص في مصر، أن زوال الصحافة الورقية بات أمرا حتميا على المستوى العالمي، وليس في مصر فقط، لمواكبة التطور التكنولوجي والمتغيرات في الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية حول العالم، والتي لا تستطيع الصحافة الورقية بطبيعة حالها مواكبتها.
وقال الأمين إن بقاء بعض الصحف الورقية، سواء الخاصة منها أو المملوكة للدولة، مرتبط بتحولها نحو الإعلام الإلكتروني، أو ما يسمى بالرقمي من أجل تجنب الخسائر الفادحة، التي تعاني منها مؤسسات الصحافة الورقية في ظل ارتفاع تكاليف إصدار الصحف، وانخفاض معدلات توزيع النسخ المطبوعة.
تغير نمط الملكية جزء أساسي من احتياجات الصحافة الورقية في مصر لتخطي أزماتها، وفقا لنقيب الصحفيين المصريين يحيى قلاش، الذي قال إن الطبيعة الحالية للصحف المنقسمة ما بين الخاصة والقومية المملوكة للدولة، تجمعها أزمة مستعصية متمثلة في حجم الخسائر الفادحة التي تتعرض لها نتيجة تراجع أعداد النسخ المطبوعة وارتفاع كلفة الطباعة.
وأضاف أن تجارب البلدان المختلفة في الحفاظ على الصحف المطبوعة تتمثل في اتباع النهج الاقتصادي التعاوني، وإصدار صحف تتسم بالمحلية داخل كل مقاطعة أو بلدة ذات طابع متخصص في الشؤون الداخلية لكل مقاطعة، وهي أحد الأشكال التي استطاعت الحفاظ على الصحف الورقية المطبوع وجذب القراء إليها.
قلاش قال إن الصحافة الورقية ستشهد تغيرا حتميا، ليس شكليا فقط، وإنما في البنية المنهجية للصحف والأدوات الصحفية المستخدمة، والتي يجب أن تحدد بكل دقة أهدافها وتجيب على سؤال غاية في الأهمية: ماذا يحتاج القارئ من الصحف الورقية؟.
أما الخبير الإعلامي ياسر عبد العزيز فيقول إن الصحافة الورقية في مصر شهدت تراجعا دائما ومستمرا منذ ثلاثة أعوام، فيما يخص انخفاض أعداد النسخ المطبوعة بشكل طردي وسط إخفاق المؤسسات الصحفية في اتخاذ تدابير لمعالجة الأزمة.
وأوضح أن مصر لديها 250 صحيفة مطبوعة، تمتلك الدولة منها 52، كان إجمالي عدد النسج المطبوعة في بداية القرن 2 مليون نسخة يوميا، ثم ارتفع إلى 5 ملايين نسخة خلال العقدين الماضيين، لكنه انخفض إلى 700 ألف نسخة الآن، وفي طريقها إلى المزيد من الانخفاض.
ولفت إلى أن الصحف المطبوعة لا تمتلك أدوات لحماية المحتوى الإخباري الذي تقدمه للقارئ وتنفق عليه المزيد من الأموال، مما يعرضها لسرقة المحتوى من قبل بعض المواقع والصحف الإلكترونية التي ربما تحقق مكاسب على المستوى المادي والفني نتيجة تلك السرقة.
عبد العزيز قال إن إصدار الصحف الورقية في مصر لا يعتمد على دراسات الجدوى، وإنما على أهداف أخرى من قبل رجال الأعمال الراغبين في التواجد السياسي والاقتصادي، فضلا عن الوجاهة الاجتماعية.
وأضاف أنه على مستوى الإمكانات البشرية والفنية تفتقر الصحف المطبوعة في مصر إلى إمكانيات التطور وتقديم محتوى صحفي مهني ذات طبيعة نوعية تحمي مكانة الصحف المطبوعة لدى المتلقي وترفع من أسهمها في إطار التنافسية مع المواقع والصحف الرقمية.
وتوقع أن تشهد الأعوام العشرة المقبلة انحسارا شديدا للصحف المطبوعة يصل إلى نصف عدد المطبوعات الحالية، لكنها لن تندثر خلال عقدين من زمان، وستبقى في إطار محدود ورمزي وفق شروط وتدابير حتمية يجب أن تتخذها تلك المؤسسات.
وقال إن تدابير إصلاح أوضاع الصحف الورقية في مصر تحتاج إلى عقد من الزمان يبدأ من جانب المالك الأكبر للصحف والمتمثل في الدولة، التي يجب أن تقوم بما يمكن أن نسميه "ترشيق المطبوعات الورقية"، أي جعلها رشيقة، وتحديد أهمها، ووضع تدابير للاستفاد من باقي المطبوعات عن طريق التكامل الإداري فيما بينها، مع الحفاظ على المكتسبات المالية والأدبية للعاملين بها، واتخاذ إجراءات لها علاقة بفتح الباب أمام المعاش المبكر، ومراجعة أوضاع العاملين، وعدم الجمع بين وظيفتين حتى نستطيع تقليص عدد العاملين بالمؤسسات المملوكة للدولة من 33 ألفا إلى 6 آلاف فقط.
aXA6IDMuMTM3LjE5MC42IA== جزيرة ام اند امز