شائعات عزل بوتفليقة .. من أغضب الجيش الجزائري؟
تكرر المؤسسة العسكرية في الجزائر، رفضها الدائم لإقحامها في المعترك السياسي الدائر في البلاد، لكنها تجد نفسها عند معظم السياسيين والمحللين، طرفا فاعلا في معادلة الحكم.
تكرر المؤسسة العسكرية في الجزائر، رفضها الدائم لإقحامها في المعترك السياسي الدائر في البلاد، لكنها تجد نفسها عند معظم السياسيين والمحللين، طرفا فاعلا في معادلة الحكم، نظرا لارتباط الجيش الوثيق مع كافة المحطات السياسية الحاسمة التي شهدتها الجزائر مند نيل استقلالها سنة 1962.
قررت المؤسسة العسكرية الخروج عن صمتها فيما يثار حولها من شائعات وأخبار تتعلق بتدخلها في الشأن السياسي للبلاد، وكتبت عبر لسان حالها "مجلة الجيش" ردا بعنوان "الجيش الوطني الشعبي وفاء للمهام الدستورية"، حذرت فيه من الانسياق وراء طروحات من قالت إنهم المصطادون في المياه العكرة الذين ينسجون "تخيلات وأوهام وقصص خيالية".
غير أن رد المؤسسة العسكرية، جاء عاما ورفض الخوض في ماهية الأطراف التي تحدث عنها، على الرغم من خطورة الاتهامات الموجهة إلى هؤلاء من ضرب مصداقية الجيش والتزامه بأداء مهامه الدستورية ووصفهم بالأبواق التي يستهويها التطاول وزرع بذور التفرقة من حين لآخر، فمن هي هذه الأطراف التي يقصدها الجيش وما هي الإشاعات التي أزعجته لهذا الحد؟
بالعودة إلى الفترة الحرجة التي ميزت إعادة انتخاب الرئيس بوتفليقة لولاية رئاسية رابعة، تنكشف بعض الأطراف التي يقصدها الجيش، ففي تلك الأيام، أي قبل أكثر من سنتين، ظهرت دعوات صريحة للجيش، كان صاحبها المجاهد محمد مشاطي وهو واحد من مجموعة 22 الشهيرة التي فجرت الثورة الجزائرية، من أجل التدخل وعزل الرئيس بوتفليقة بسبب عدم قدرته على الاستمرار في الحكم نظرا لظروفه الصحية.
واستمرت بعد ذلك الدعوات للجيش من أجل التدخل لحلحلة الأزمة السياسية في البلاد، دون مطالبته المباشرة بالانقلاب العسكري، حيث اتجه جزء من المعارضة، إلى دعوة الجيش لرعاية مسار انتقالي في البلاد، يعيد ما يعتبرونها الشرعية المفقودة للمؤسسات، وكان أبرز من نادى بذلك في الساحة السياسية رئيس الحكومة في بداية التسعينيات مولود حمروش الذي بنى رأيه انطلاقا من كون الجيش هو المؤسسة الوحيدة التي بقيت قوية ومتماسكة في الجزائر مع تراجع بقية المؤسسات الدستورية.
ومع مرور الوقت، خفتت هذه الدعوات بعد أن تيقن أصحابها من استحالة استجابة الجيش لمطالبهم، وتحولت بوصلة الإشاعات إلى الحديث عن رغبة محتملة لدى قائد أركان الجيش الفريق أحمد قايد صالح من أجل خلافة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، وظهرت العديد من التحاليل التي تتحدث عن صراع بين مؤسستي الرئاسة وقيادة أركان الجيش بسبب هذه الرغبة.
وفي السابق، كان يجري الحديث عن صراع بين مؤسستي الرئاسة والمخابرات، لكن الرئيس بوتفليقة بقراراته الستة الماضية، التي أقال فيها مهام كبار قادة المخابرات وأعاد بها هيكلة الجهاز، أنهى تماما الحديث عما يثار عن خلاف بينه وبين المخابرات، ليظهر هذا الصراع من جديد في تحاليل الصالونات السياسية، بين الرئاسة وقيادة أركان الجيش التي صارت القوة الضاربة في المؤسسة العسكرية بعد نزع مخالب المخابرات.
وتنتشر بقوة في الجزائر فرضية الصراع بين العصب أو الأجنحة الحاكمة، حيث يرى أصحابها أن النظام الجزائري يتكون مراكز قوى مسيطرة تتصارع فيما بينها ثم تصطف في الأخير عند لحظة اتخاذ القرار، وينطلقون من هذه الفرضية في تحليل كل سلوكات النظام وتناقضاته.
غير أن إنكار الجيش لتدخله في السياسة، لا يقابل بالجدية اللازمة عند المعارضة الجزائرية بسبب السوابق التاريخية للمؤسسة العسكرية التي لعبت دورا بارزا في إلغاء انتخابات 1991، كما كان لها الدور ذاته في دفع الرئيس السابق اليامين زروال إلى الاستقالة والمجيء بالرئيس عبد العزيز بوتفليقة سنة 1999، كما أن كل الرؤساء الذي حكموا الجزائر منذ استقلالها سنة 1962، ينحدرون من هذه المؤسسة، على غرار أحمد بن بلة وهواري بومدين والشاذلي بن شديد.
وتعود جذور تدخل الجيش في السياسة حسب مؤرخين، إلى فترة الثورة التحريرية من المستعمر، حيث انقلبت قيادات عسكرية في جيش التحرير الوطني على مبدأ "أولوية السياسي على العسكري" الذي كرسه مؤتمر الصومال الشهير سنة 1956 (أقام مؤسسات سياسية لتسيير الثورة وأعاد هيكلتها).